معاناة البشر لا تعني لهم شيئا ...

إبراهيم أبو حويله 

 معاناة البشر في عرف الإستعمار لا تعني شيئا كثيرا وقتل الملايين امرا عاديا، فهذا ستالين وهتلر وماو تسي تونغ وليوبولد ملك بلجيكا قتلوا ملايين من البشر وفعلوا في ملايين ما لا يتخيله عقل ، وسايكس وبيكو تحت قيادة العرش البريطاني وبقيادة الخبيث تشرتشل ، لقد كانت الهند كما هي بلاد العسل والبهارات والحرير والمال والشاي والمعادن، وسرقت منها بريطانيا تريلونات الجنيهات وإستعبدت شعبها وجعلته يعمل في المصانع والمزارع بالسخرة .

يجب أن ندرك أن الكيانات الإستعمارية واحدة ، وخذ ما فعلته بريطانيا عندما أدركت أن الهند عازمة على الإستقلال بعد كل هذه المماطلة والتسويف والمفاوضات، أرسلت أحد اكثر سياسيها خبثا لويس مونتباين 1947 ليعلن أنه سيقسم الهند إلى ثلاثة مناطق حسب الدين ، بنغلادش وباكستان والهند وهذا ما أدى إلى هجرة ومذابح عظيمة ذهب ضحيتها أكثر من نصف مليون قتيل وهجر الملايين من غيرهم .

ودخلتها وهي مستقرة منتجة لا جوع فيها ولا فقر ، وتركتها ممزقة متحاربة جائعة فقيرة ، حتى جوهرة التاج سرقتها ، وعندما طلبها الهنود من رئيس الوزاء البريطاني قال نحن لا نعيد ما تم سرقته ، وربما لو أراد الغرب ان يعيد ما سرقه ما الشرق لم يبق في الغرب شيئا .

وهنا يحضرني المثل الإيرلندي الذي يقول بأن الشمس لا تغيب عن الأنجليز لأن خالقهم لا يثق بهم ، وهذا ما فعلوه تماما مع العرب ، وربما لأجل ذلك يكره الجميع بريطانيا كما يقول الكوميدي البريطاني موري ، ولكن هذا لس حال الإنجليز فقط فاسبانيا ابادت الملايين في أمريكا الجنوبية وغيرت الثقافة واللغة والإنسان، والبرتغال وألمانيا وبلجيكا وفرنسا والشيطان الأكبر بريطانيا ثم رأس الشر الولايات المتحدة .

كما هناك إستعمار هناك قابلية للإستعمار أو للإستحمار لأني لا أرى فرقا في الحقيقة ، وهنا تتضح حقيقة مهمة جدا يجب العمل عليها ، حتى لا تقع الشعوب ضحية لإستغلال وإستعباد وأطماع الفئة الضالة من البشر ، فخذ ما حدث في إفغانستان مثلا من السهل أن تدخل أفغانستان ، وهذا ما حدث مع بريطانيا وروسيا وأمريكا ولكن من الصعب أن تخرج منها .

المحتل والمستعمر يسعى لزرع التفرقة حتى يسود ، ويحاول بشتى السبل أن يجعل من مقاومته عبثا لا طائل منه ، ويحرص كل الحرص على أن تكون ضريبة المقاومة كبيرة ، وهنا نقول بأن المدرسة الغربية قائمة على فكرة واحدة ، هي لا ترى الضحايا في الطرف الأخر ولكن الويل كل الويل إذا وقع منهم ضحية واحدة ، فقد تحرق مدن وقرى كاملة ، وهذا ما فعلوه ، قتل الإنجليز ثمانمائة ألف من الهنود بسبب خرطوشة البارود التي كانت تغمس في دهن البقر والخنزير على سواء ، عندما ثار الهنود الهندوس والمسلمين لمقداستهم وكل ذلك بدم بارد ، فلا يجب أن تثور ولا حتى تفكر في الثورة .

لكنهم في المقابل لا يحتملون الخسارة المستمرة وترهقهم المقاومة التي تستنزف إستقرارهم وإستفادتهم من المنطقة ، وعندما ترتفع الضريبة عن الحد المحتمل يفرون من المنطقة ، هو لن يفكر في الخروج ما دام يقدر على إستنزاف الأرض والإنسان وقادر على تحمل الفاتورة ، ولكنه يفر عندما تكبر الفاتورة وتعظم المقاومة ، وترفضه الأرض ولا ينصاع إنسانها له

ربما لن نستطيع جميعنا ان نقاوم ، ولكن لندعم صمود المقاومة بكل ما نستطيع ، وليكن لهم من فكرك جزء ، ومن قولك جزء ، ومن دخلك جزء ، عندها قد يصبح تتحرر الأمة من هذه العقلية الإستعمارية الغربية التي لا تعرف الرحمة ولم تعرفها يوما أقرب مع كل فعل نقوم به

هناك إرهاصات تشعر معها بأن في الأفق فجر جديد ، هل تولد الأمم كما يولد البشر بكثير من الألم والمعاناة والصبر وقليل من الأمل يطول إنتظاره ويكبر يوما بعد يوم حتى يصل إلى مبتغاه ، في تلك اللحظة التي يبدأ فيها البحث عن الفكرة التي تولد لتحرر الإنسان والأرض ، وتصنع الوحده وتنبذ الخلاف ، وتبحث عن النقاط المشتركة فتصنع منها أرضية تنطلق منها .

نحن اليوم نعيش هذا الواقع هذه الإرهاصات التي بدأت تكبر يوما بعد يوم وتجعل حياة المحتل جحيما ، ولأول مرة تنقلب فيها المعادلة بيننا وبينهم ، فلم تعد مقاومتهم مستحيلة ، ولم يعد ضربهم ضربا من الخيال ، ولم يعد إستنزافهم وإحراجهم وخلق الفرقة بينهم ، وضرب الوحدة بين صفوفهم حلما ، ولكن إستسلامهم لن يكون أمرا سهلا وهذا ما يجب أن نعيه جميعا ، ولكنه ليس مستحيلا ، واليوم يبدو ممكنا أكثر من أي يوم مضى .

وفي تلك اللحظة التي تصبح الأفعال منضبطة وتقع تحت الكثير من التحليل والتفصيل والمحاسبة ، عندها يصبح الكل يسعى نحو فجر جديد ، ربما حتى في أحلك الأيام وأكثرها قسوة على الأمم أن تتفق على أمر واحد أو على طريقة واحدة للخروج ، ولكنهم قد لا يفعلون فتجدهم يختلفون هل نريدها سلمية أم مسلحة .

ولكن الشعب يجب أن يتصالح مع أرضه ، يتصالح مع كرامته ، يتصالح مع قيمه وعاداته ، يتصالح مع بعضه ، يعرف كيف يتحد ويقاوم حتى وهو لا يملك أدني وسائل المقاومة ، والأهم من ذلك كله أنه يجب أن يتصالح مع الموت لا يخشى الموت في سبيل القضية التي يؤمن بها ، ويعلم تماما ان الموت هو النهاية لرحلة الحياة طالت أم قصرت ، فلا ضير أن تموت ولكن المهم كيف تموت .