الاستقلال بين الإنجاز والتحديات

سلامة الدرعاوي 

 منذ الاستقلال، واجه الأردن تحديات اقتصادية هائلة، لكنه لم يركن للواقع بل انخرط بقوة في الاقتصاد العالمي، ووقع العديد من اتفاقيات التجارة الحرة، مثل الانضمام لمنظمة التجارة العالمية وتحرير التجارة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والبلدان العربية وكندا وسنغافورة.

 

هذا الانخراط أدى إلى ارتفاع كبير في معدلات التصدير، خاصة إلى السوق الأميركية التي تستوعب صادرات وطنية بحجم 5 مليارات دينار سنويا. فالقطاع الصناعي، الذي يُعَدّ من أهم روافد الاقتصاد وأكثرها تطورا، لم يكن بمنأى عن هذه التحولات، ورغم الصعوبات والتحديات، شهدت الصناعة الأردنية تطورات كبيرة منذ الاستقلال، حيث تعززت هذه التطورات بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين بدعم واهتمام من جلالة الملك عبدالله الثاني، الذي دعا باستمرار إلى الاعتماد على الذات من خلال تطوير المنتجات وتنويعها.

الجهاز المصرفي الأردني، أحد أقدم القطاعات الاقتصادية تنظيماً في المملكة، نجح في تحقيق الاستقرار النقدي والمالي، ورغم كل التحديات، سجل الأردن معدل تضخم يتراوح حول 2 %، وهو من بين أقل معدلات التضخم في المنطقة والعالم، كما يحتفظ بمستويات مريحة من الاحتياطيات الأجنبية تبلغ 17.4 مليار دينار، تغطي حوالي 7.7 أشهر من مستوردات المملكة.

هذا الإنجاز يعود إلى مصداقية البنك المركزي والتزامه بالحفاظ على انسجام هيكل أسعار الفائدة المحلية مع الهيكل الإقليمي والدولي، فتطور القطاع المصرفي من 22 فرعا إلى 941 فرعا ومكتبا بنهاية عام 2022، وازدادت أصوله من 76 مليون دينار لتصل إلى 64 مليار دينار في مطلع عام 2023.

لكن، رغم هذه الإنجازات، ما تزال التحديات الكبرى تعصف بالاقتصاد الأردني، فالصدمات الخارجية مثل التوترات الجيوسياسية والإقليمية، والتغيرات في الأوضاع المالية العالمية، تواصل تأثيرها السلبي، وارتفاع الأسعار يبقى قضية مزمنة، حيث لا يترافق مع نمو مواز في الدخل، مما يؤثر سلبا على الأمن المعيشي للأسر الأردنية.

البطالة تمثل الكابوس الأكبر، حيث وصلت معدلاتها في بعض الفترات إلى أكثر من 24 %، فهذا التحدي يُعزى إلى ضعف النمو الاقتصادي، تراجع التدفقات الاستثمارية، والنمو السكاني السريع مع قلة الفرص الاقتصادية المتاحة.

والاعتماد على المساعدات الخارجية أيضا يجب التخلص منه حماية للاقتصاد الأردني، حيث يحصل سنويا على نحو 3.2 مليار دولار من المساعدات، مقسمة بين قروض ومنح، فضعف التنافسية يزيد الطين بلة، ويتطلب من الحكومة تحسين بيئة الأعمال، تقليل البيروقراطية، تعزيز الابتكار، وتطوير الموارد البشرية لجذب الاستثمارات وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.

الأردن يواجه تحديا، فالسبيل الوحيد للمضي قدما هو تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، والحصول على دعم مستمر من المانحين، وتحسين بيئة الأعمال، تقليل البيروقراطية، تعزيز الابتكار، وتطوير الموارد البشرية ليست خيارات بل ضرورة ملحة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. إذا لم يتحقق هذا التعاون والتطوير، فإن الأردن سيظل يعاني من اختلالات اقتصادية مزمنة، تحول دون تحقيق النمو المستدام وتطلعات الشعب الأردني لمستقبل أفضل.