غراهام يتراجع عن تصريحاته النووية ضد غزة

د. راكز الزعارير

أثارت تصريحات السيناتور الأميركي عضو مجلس الشيوخ عن ولاية كارولينا لندسي جراهام حول تشبيهه غزة بالمدينتين اليابانيتين هيروشيما ونجازاكي اللتين تم ضربهما بقنبلتين نوويتين في الحرب العالمية الثانية، لتحقيق نصر الحلفاء و إنهاء الحرب بهزيمة ألمانيا وحلفائها استنكاراً واسعاً في العالم العربي، وكان دعا خلال مقابلات متلفزة إسرائيل التي تواجه حرباً وصفها بحرب دينية في غزة، لسرعة إنهاء الحرب والقضاء على «المقاومة» بنفس أسلوب هيروشيما ومحو غزة لتحقيق الانتصار في الحرب.

لقد أثارت تلك التصريحات استهجاناً واستغراباً واستنكاراً واسع النطاق في العالم العربي والإسلامي بشكل خاص واستنكاراً من مختلف دول العالم وفي الولايات المتحدة نفسها، وكذلك في إسرائيل من قبل معسكر الاعتدال والسلام فيها.

وكان غراهام قد أدلى لدى أكثر من محطة أميركية بتصريحات، عكست تفكير عقلية لا تكترث بالقيم الإنسانية والأعراف والعلاقات الدولية ومستقبل السلام العالمي والتعايش الإنساني، حيث دعا إلى مسح غزة حتى يتحقق نصر واضح لإسرائيل على «حماس».

تصريحات غراهام السيناتور الجمهوري الأشهر في مجلس الشيوخ كانت مستهجنة، لانها لم تات من شخص عادي في الولايات المتحدة، بل من اهم الشخصيات السياسية الأمريكية في مجلس الشيوخ وهو سيناتور قانوني مخضرم منذ ٢٠٠٣ عن ولاية كارولينا الأميركية وسبق أن طرح اسمه في اكثر من مرة للترشح عن الحزب الجمهوري لانتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة.

لقد استنكر العالم خطورة هذه التصريحات المتطرفة من غراهام، لانها تحث وتشجع اليمين الصهيوني المتطرف الذي يحكم في إسرائيل، وسبق أن طرح بعض وزرائه «وزير الأمن القومي الاسرائيلي» توجيه ضربة نووية لغزة والقضاء على حماس و اعتبر في وقته نوعاً من الجنون المتطرف ولاقت تلك التصريحات استهجانا واستنكارا عالميا واسع النطاق في حينه.

الأمر المثير أن غراهام احد أهمّ المشرعين في مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي و بهذه التصريحات ضرب المصداقية الأمريكية المتآكلة لدى المجتمع الدولي التي تدعو الى العدالة والسلام في العالم، واعطى السناتور صورة قاتمة عن الثقة بمستقبل تعامل الولايات المتحدة، الدولة الاقوى في العالم، مع القضايا الدولية والقانون الدولي والقيم والقانون الإنساني الدولي.

تصريحات لندسي غراهام دعوة ضمنية وصريحة ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وهذا يدينه سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً.

أعتقد جازماً بأن الرجل يدرك الأبعاد الكارثية لاستخدام الأسلحة النووية على مستوى إقليم منطقة الشرق الأوسط، وما هي تداعيات الرد على ذلك من دول إقليمية وقوى عالمية، وهل يمكن لمثل ذلك التصرف الجنوني إن حصل من قبل إسرائيل أن يمر بنصر مبين لدولة إسرائيل دون أن تدفع وشعبها والمصالح الأميركية في المنطقة ثمناً باهضاً لذلك؟.

تصريحات غراهام جاءت في أوج الجهود المعول عليها عربياً والتي تبذلها الإدارة الأميركية والرئيس بايدن لوقف الحرب وإعادة المختطفين، وتحريك عملية سلام فلسطينية إسرائيلية تقوم على اساس حل الدولتين وإعادة إعمار وإدارة قطاع غزة ما بعد توقف الحرب.

لكن من المهم والملفت تراجع غراهام سريعاً وإعادته تفسير تصريحاته «وحسنا فعل «في لقاء له مع إحدى الفضائيات العربية الإخبارية الواسعة الانتشار نهاية الأسبوع الماضي، حيث أنكر دعوته إلى محو غزة بقنبلة نووية، وأكد على أنه يدعو لانهاء «حماس» وكتائبها المقاتلة، وإقامة سلام وإعادة الأمل بعد اليأس لدى شعب غزة وفلسطين وسلام مع العالم العربي.

يبدو مؤكداً أن تغيير شكل التصريحات وإعادته تفسيرها والتراجع عنها جاء بضغط من بعض القيادات العربية المرموقة والمؤثرة عليه، بعد ان اصبحت صورة غراهام بعد ذلك التصريح لدى الشعوب العربية ومؤسسات المجتمع المدني فيها أكثر تطرفاً من اليمن المتشدد الحاكم في إسرائيل برئاسة نتنياهو، وأن التعامل معه على المستويات الرسمية في العالم العربي باتت محرجة.

ما نود إيصاله إلى غراهام أن يدرك بانه أغرق نفسه سياسياً وحمل نفسه عبئاً كبيراً أمام الرأي العام العربي والدولي وكذلك أمام مجلس الشيوخ والنواب والرئيس الأميركي وكل مؤسسات الدولة الامريكية، وعليه تصحيح خطأه بجرأة وشجاعة إذا أراد الإبقاء على مصداقيته وتمسكه بمبادئ الدستور الأميركي والحقوق الإنسانية، ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ومبادئ ومواثيق حقوق الإنسان في العالم.
Rzareer@hotmail.com
ا