بين قمتين .. ما زال الدَّمُ يُراق

احمد عبدالفتاح ابو هزيم


قياساً على ما كان يتحقق من نتائج إيجابية في مؤتمرات القمة العربية "سابقاً" لا ترقى إلى المستوى المأمول "شعبياً"، لم يكن في ذهني كمواطن عربي أدنى درجات التفاؤل من أن تحقق القمة العربية العادية التي عقدت في المنامة "مملكة البحرين" قبل أيام ولا حتى القمة العربية الإسلامية الطارئة التي اِسْتَضافتها الرياض "المملكة العربية السعودية" قبل نحو ستة أشهر، أية نتائج مرجوة تُحدث فرقاً يُذكر في مختلف القضايا العربية والإسلامية، وترفع من مستوى التنسيق العربي المشترك بين الدول الشقيقة، لتساهم في حلحلة الصراعات البينية والداخلية في الأقطار الأعضاء، أو حتى في تحقيق بعض من أحلامنا كشعوب عربية وإسلامية ننشد التقدم والرخاء للحاق بباقي شعوب الأرض في عالم أصبحت فيه المتغيرات تحدث بين لَيْلَةٍ وضُحَاهَا.

منذ إنعقاد أول قمة عربية في قصر أنشاص بمصر عام 1946، بمشاركة سبع دول عربية في ذلك الحين (الأردن، مصر، السعودية، اليمن، العراق، سوريا ولبنان)، لم تخرج قرارات القمم اللاحِقة عن ردود أفعال لقضايا ساخنة يتجاوز حلها حدود قاعة الإجتماعات، ولا يعني بالضرورة حضور القادة أو من يمثلهم أن هناك رغبة حقيقية لدى البعض في صناعة تاريخ جديد من العمل المشترك، وتجاوز رواسب سياسية عالقة، ولقد شهد جيلنا العديد من مشاهد قصف الجبهات "بالذخيرة الحية" التي ما زالت في أرشيف الذكريات "المرة "لمناكفات ترافقت مع محاولة بعض القادة تزعم المجموعة العربية ولفت الأنظار، لتتحول مؤتمرات القمة فيما بعد إلى إستعراض "عادي" يطغى عليه الجانب البروتوكولي "إستقبل، ودع"، وينتهي إلتزام بعض الدول الأعضاء من مقرارات البيان الختامي للقمة بمجرد أن يطأ ممثل الدولة أرض الوطن.

اثنتان وعشرون دولة تنضوي تحت سقف جامعة الدول العربية، يقطنها ما يقارب من أربعمائة مليون عربي، وبما تملك هذه الدول من موارد مالية وبشرية عجزت في قمتين منفصلتين " عربية وإسلامية " عن إتخاذ قرار حازم يردع كيان غاصب محتل، يمارس أفظع جرائم التاريخ من دمار وقتل وتشريد يطال البشر والشجر والحجر بحق شعب عربي شقيق يرزح تحت نير الإحتلال والحصار منذ ستة وسبعون عاماً .

وسط عجز عربي مزمن في التعامل من القضايا المفصلية التي تمر بها المنطقة ومنها القضية الفلسطينية، وتحت بند "أضعف الإيمان" لم تستطيع هذه الدول منفردة أو مجتمعة من ترجمة عناصر القوة الجمعية وحتى الفردية التي تمتلكها لتحويلها إلى فعل حقيقي على الأرض، أو حتى إتخاذ إجراءات أحادية ضاغطة ومؤثرة على المجتمع الدولي والولايات المتحدة الأمريكية الداعم الرئيسي للكيان الصهيوني من أجل وقف العدوان على الشعب الفلسطيني.

قمة المنامة ليست إستثناء في مخرجاتها بالرغم من أن الأمة العربية تمر بأصعب حالاتها، إذ لم يخرج البيان الختامي عن نطاق عبارات الإنشاء المصاغة بعناية شديدة "حتى لا تغضب بعض الدول الكبرى" المتفق عليها بحذر شديد بعد مشاورات مطولة قبل وأثناء إنعقاد القمة لتكون كما في القمم السابقة " تقطر " بعبارات المناشدة، المطالبة، الإستنكار، الإدانة والتأكيد على الثوابت، والدعوة إلى التضامن العربي والتكامل بين أقطاره، والنتيجة بعد ما يقارب من ثمانون عاماً على إنشاء الجامعة العربية "مكانك سر" .

لم يُشِر البيان الختامي من قريب أو بعيد إلى الولايات المتحدة الأمريكية الداعم الأساسي والشريك للكيان الصهيوني في هذه الحرب الظالمة على قطاع غزة، وهي من وفرت الغطاء السياسي والدعم العسكري والإقتصادي للعملية العسكرية الجارية حالياً، وهي من جلبت أساطيلها إلى البحار المحيطة مهددة ومتوعدة " بالويل والثبور" كل من يحاول مساعدة المقاومة الفلسطينية بأي شكل من الأشكال.

من الملاحظ أن الدبلوماسية الأمريكية ومتطلباتها ظاهرة في أغلب الكلمات والبيان الختامي للقمة، مع أن أي مراقب لمجريات الأحداث في المنطقة، يجد أن الكيان الصهيوني المحتل بعد الصدمة المذلة له يوم السابع من أكتوبر، والاِنكشاف الإستراتيجي لدولته الكرتونية، ما كان يجرؤ على التقاط أنفاسه و قيامه بأفعالة الشنيعة من جرائم حرب إبادة وتهجير لولا الضوء الأخضر من البيت الأبيض، والمشاركة الأمريكية الفاعلة بإدارة العمليات والدعم اللوجستي، وتزويد الكيان بأحدث أنواع الأسلحة، بالإضافة للغطاء السياسي الذي الذي وفره وزير الخارجية الأمريكي "اليهودي" بلينكن الذي زاد بتطرفه "بحسب مراقبين" على حكومة اليمين الصهيونية.

عدد من الدول العربية تقيم علاقات "بأشكال متنوعة" مع الكيان الصهيوني، بعضها يقيم علاقات دبلوماسية كاملة "سفارات" والبعض الآخر علاقات تعاون في مجالات مختلفة، وبعض دول"نضال الموت لأمريكا والموت لإسرائيل" من تحت الطاولة، السؤال الذي يستفز ذاكرة كل مواطن عربي وبالتأكيد الإجابة حاضرة في ذهن كل متابع ومراقب لمجريات الأمور، لماذا لم تأخذ أي من هذه الدول خطوات عملية في الضغط على الكيان الصهيوني، كأن توقف هذه الدول العلاقات بجميع أشكالها على الأقل في هذه المرحلة، واشتراط عودتها بوقف العدوان وتحقيق مطالب الشعب الفلسطيني.

ملفات سياسية، إقتصادية، إجتماعية، أمنية وعسكرية كبرى عالقة في "وحل " الصراعات الداخلية والخارجية من "المحيط الهادر إلى الخليج الثائر " ، لم تستطع هذه القمة ولا القمم العربية السابقة من التعامل معها أو فك رموز شيفرة حل آمن وعادل لمختلف القضايا العالقة تحت هذه العناوين ، بسبب المزاجية السياسية لبعض الدول الأعضاء وما يترافق معها من تدخلات خارجية " إرتهان القرار الرسمي العربي " تتحكم في صناعة القرار داخل أروقة الغرف المغلقة.

في ظل ظروف وتحديات دولية وإقليمية يشهدها العالم، و بداعي تغيير الواقع " المحزن " الراهن، أصبح لزاماً على الدول الأعضاء التفكير في تعديل ميثاق الجامعة العربية والعمل على تطوير وإصلاح آلية عملها، وإعادة هيكلة منظومة القيم والمبادئ التي تحكمها من أجل الإرتقاء بمتطلبات الإستجابة الحضارية للأمة العربية إلى مستوى التحديات، وتقتضي تلك الإرادة الصادقة "إن توفرت" على تضافر الجهود من أجل الخروج الآمن من حالة الإجماع "الشكلي" والتوافق على الحد الأدنى إلى فضاء أكثر عدالة و" كرامة " يحاكي القواسم المشتركة التي تجمع الأمة.

حَمَى اللّهُ الأردن واحة أمن واستقرار ، وعلى أرضه ما يستحق الحياة.