تحقيق يكشف أبرز سيارات الكهرباء التي انهارت أسعارها في الأردن

في أيلول 2021 دفع عمرو (32 عامًا) عربونًا لسيارة تسلا موديل إكس التي طالما فكر باقتنائها. وكان قد وفر مبلغًا ماليًا كبيرًا من سنوات عمل عديدة للحصول على سيارة كهربائية جديدة مرتفعة الثمن، وكان سعر التسلا حينها يزيد على 60 ألف دينار، وتقطع نحو 650 كم بالشحنة الواحدة. قبل استلام السيارة، نصحه أحد أصدقائه بسيارة لم يكن قد بيع منها في الأردن بعْد إلا عدد محدود، وهي فولكسفاغن ID4، تقطع مسافة تتراوح بين 500 و550 كم بالشحنة الواحدة وبسعر 34 ألف دينار. وبعد أن تعرَّف على مزايا السيارة وسعرها مقارنة بسيارة تسلا، قرر التضحية بالعربون الذي دفعه مسبقًا واشترى الـID4 نقدًا.

حين أجرى عمرو بحثًا على الإنترنت وجد أن سعر السيارة في ألمانيا -بلد العلامة التجارية- مقارب لسعرها في الأردن، لكن سعرها حيث صُنّعت في الصين كان يبلغ حوالي 21 ألف دينار، أي أقل مما اشتراها به بفارق 13 ألف دينار تقريبًا. ومع ذلك كان سعيدًا باختياره، فقد كانت الـID4 مناسبة لتلبية احتياجاته. لكنه شعر لاحقًا أنه دفع ضريبة شراء سيارة لم تكن منتشرة في السوق بعد، فما إن اشترى السيارة حتى بدأ سعر سيارات الـID4 من نفس الفئة بالانخفاض تدريجيًا حتى وصل سعرها في السوق عموما بعد ثلاثة أشهر من 34 ألفًا إلى 28 ألفًا، ويصل سعرها اليوم إلى حدود 20 ألف دينار تبعًا للفئة والمواصفات، «هي السيارة أصلًا مش غالية [في الصين]. هلأ وصلت سعرها الطبيعي، 20 و18 ألف»، يقول عمرو.

قبل شهرين، اضطر عمرو إلى بيع السيارة في الوقت الذي تمتلئ فيه السوق بسيارات من الفئة نفسها ولكنها أحدث تصنيعًا وأقل سعرًا، ولم يجد بديلًا عن بيعها بحوالي 22 ألف دينار، أي بانخفاض عما اشتراها بنحو 12 ألف دينار: «إذا بدي أعتبر إني اشتريتها من الوكالة، منطقيًا إنه أخسر فيها ست، سبع، ثمان آلاف دينار. بس 12 ألف دينار كان مبلغ كبير».

تحوّلات سوق السيارات الكهربائية محليًا

يعدّ عام 2021 بداية تسارع استيراد السيارات الكهربائية ذات المواصفات المتقدمة في الأردن، وفيها طُويت صفحة العديد من السيارات الكهربائية التي كانت الأكثر شيوعًا وتقطع بحدود 100-200 كم بالشحنة الواحدة، مثل سيارات فيات-500، ونيسان ليف، وإي-غولف، وBMW-i3 وغيرها، يُستثنى من ذلك أعداد محدودة لسيارات التسلا والمرسيدس ذات المواصفات الجيدة والأسعار المرتفعة.

عمومًا، كانت السيارات الكهربائية في الأردن قد بدأت بالانتشار منذ عام 2015، بعد قرار الإعفاء الكامل من الجمرك وضريبة المبيعات، ووصل إلى الذروة عام 2018 الذي أُدخلت فيه تسعة آلاف سيارة إلى الأردن بحسب ممثل قطاع المركبات في هيئة مستثمري المناطق الحرة جهاد أبو ناصر. لكن، في 2019 أخضعت الحكومة السيارات الكهربائية لضريبة خاصة بمقدار 25%، ما أدى إلى تراجع الإقبال عليها. ثم عادت مع نهاية العام نفسه وخفضت الضريبة إلى 10%، لكن جائحة كورونا حالت دون أية زيادات ملحوظة في أعداد المركبات الكهربائية.

بحسب أبو ناصر، تراجع آنذاك استيراد السيارات عمومًا من الولايات المتحدة وأوروبا، فلجأ بعض التجار إلى السوق الصيني، واستوردوا عام 2021 أول مركبة E-Golf صينية الصنع تقطع مسافة 300 كم بالشحنة الواحدة، وكان هذا ضعف المسافة التي تقطعها السيارات المماثلة المستوردة من بلد العلامة التجارية ألمانيا. ثم التفت التجار أواخر العام نفسه إلى سيارات فولكسفاغن ID المصنعة في الصين، والتي تقطع مسافة 500 كم بالشحنة الواحدة، فأحدثت طفرة في مواصفات السيارات المطلوبة في الأردن، وبدأت تدخل بكميات كبيرة مع ازدياد الطلب حتى أصبحت سيارات ID.4 هي الأكثر مبيعًا في الأردن لعام 2023 بحسب هيئة مستثمري المناطق الحرة.

بدأت السيارات الكهربائية بالانتشار في الأردن منذ عام 2015، بعد قرار الإعفاء الكامل من الجمرك وضريبة المبيعات، ووصلت إلى الذروة عام 2018 الذي أُدخلت فيه تسعة آلاف سيارة إلى الأردن

وفي العام نفسه، دخلت سيارات كهربائية صينية أخرى إلى السوق، بأسعار أكثر انخفاضًا، كسيارة Estar من شانجان مثلًا، والتي دخلت المنافسة سريعًا حتى احتلت المرتبة الثانية من السيارات الأكثر مبيعًا لعام 2023، بحسب هيئة مستثمري المناطق الحرة، وبأسعار تراوحت بين 11 إلى 15 ألف دينار، بمدى قيادة يصل إلى 300 كم بالشحنة الواحدة. واستطاعت الأنواع الجديدة كسر حاجز التخوفات الشعبية من السيارات ذات العلامات التجارية الصينية، وكانت بعض الموديلات قد شهدت طلبًا متزايدًا عليها حتى إن أسعار بعضها قد ارتفع قليلًا عام 2022. وبعدما فرضت شركات صينية أخرى نفسها عالميًا، طرأ تغيّر جديد على سوق السيارات الكهربائية في الأردن عندما وصلت BYD إلى السوق عام 2023 بمواصفات أفضل وأسعار أكثر منافسة مما سبق.

لكن مُلّاك السيارات الكهربائية التفتوا مؤخرًا إلى انخفاض حاد في أسعار سياراتهم من موديلات 2021/ 2022، حتى إن بعض السيارات خسرت نحو عشرة آلاف دينار من سعرها خلال أقل من 3 أعوام، ما أثار نقاشًا واسعًا في أوساط مقتني السيارات الكهربائية ومن يفكرون بالإقبال على شرائها.

ولم تكن الموديلات الأحدث؛ المصنعة في العامين الأخيرين، بمنأى عن انخفاض الأسعار، بما في ذلك السيارات التي لوحظ انتشارها في السوق في السنوات الثلاث الأخيرة، مثل هوندا NSA وNP1 ومثيلاتها. محمد (31 عامًا) أحد الذين اشتروا هوندا NP1 جديدة (عداد زيرو) العام الماضي بسعر 24 ألف دينار، يضاف إليها فائدة بقيمة عشرة آلاف دينار أردني، وشجعه على ذلك تسهيلات تقدمها بعض الشركات لشراء السيارة بدون دفعة مالية أولى، معتبرًا السيارة استثمارًا في عمله بمجال التوصيل، خصوصًا أنها تسير مسافة 550 كم بالشحنة الواحدة.

بعد أقل من عام، هبط سعر السيارة من الفئة والموديل نفسه إلى 19 ألف دينار، أي بانخفاضٍ قدره 20% تقريبًا عن سعر الشراء في وقت قياسي. وكان نقيب أصحاب المهن الميكانيكية، جميل أبو رحمة، قد أشار في تصريح سابق إلى أن انخفاضًا بنسبة 10% من سعر المركبة يُعدّ انخفاضًا «تجاريًا طبيعيًا». كان محمد يتوقع انخفاضًا مماثلًا، لاعتقاده بأن السيارات الجديدة (الزيرو) عمومًا تنخفض أسعارها بشدة بمجرد مغادرة المعرض، ويرى بأن السيارات الكهربائية لن تنخفض أسعارها أكثر لأن هذا الأمر سيكون مضرًا بسمعة التجار، ولن يتمكنوا من بيع السيارات الجديدة لاحقًا.

يقول محمد إنه لاحظ مبالغة في النقاش العام حول انخفاض أسعار السيارات الكهربائية، فهناك برأيه ثغرات في المقارنة حيث لا يؤخذ بعين الاعتبار سنة الإنتاج وفئة السيارات ومواصفاتها وإضافاتها والمسافة المقطوعة فيها قبل البيع. وقد حدث معه أمر شبيه، إذ اشترى أحد أقربائه سيارة شبيهة إلى حد كبير بسيارته بسعر 16 ألف دينار، لكن بعد التدقيق وجدا أن السيارتين من فئتين مختلفتين لكل منها إضافاتها، وأن سيارة قريبه تقطع بالشحنة الواحدة مسافة أقل بمئة كيلومتر عن سيارته، فضلًا عن أن قريبه اشترى السيارة مستعملة.

أرباح طائلة في السنوات الأولى

في الوقت الذي اكتشف فيه أوائل التجار العاملين في السيارات الكهربائية ثمار السوق الصيني، بدا أن المستهلكين لم يكونوا على علم بعد بأن أسعار سياراتهم المصنوعة في الصين تحصل على دعم من الحكومة الصينية منذ عام 2009 عبر سياسات لتشجيع تصنيع السيارات الكهربائية وشرائها. فقد أنفقت الصين أكثر من 28 مليار دولار أمريكي على الإعفاءات الضريبية ودعم السيارات الكهربائية خلال الفترة من 2009 إلى 2022، قبل أن تبيع في 2022 أكثر من ستة ملايين سيارة كهربائية، ما يمثل نصف إجمالي المبيعات على مستوى العالم، ولتتقدم الصين بذلك على عمالقة السيارات التقليدية مثل ألمانيا واليابان، ولتتجاوز كذلك الولايات المتحدة التي كانت سبّاقةً في تصنيع السيارات الكهربائية.

يُلاحظ أن هبوط أسعار السيارات المتوسطة والكبيرة ذات السعر الأعلى والمدى الأطول، كان أكثر حدّةً مقارنة بالسيارات الصغيرة ذات السعر المنخفض نسبيًا

وقد ساعد الدعم الحكومي الصيني على تصدير السيارات المصنوعة في الصين، بما فيها ذات العلامات التجارية الأوروبية، ومن بينها فولكسفاغن ID المنتشرة في السوق الأردنية. وهو ما يؤكده المدير التنفيذي لجمعية وكلاء السيارات محمد الزرو، قائلًا إن بعض التجار اكتشفوا إمكانية استيراد سيارات ذات علامات تجارية عالمية صنعت في الصين والاستفادة من الدعم السخي للحكومة الصينية، وأن الأسعار التي بيعت فيها السيارات للمستهلكين -حتى قبل إضافة الفوائد البنكية- تدلل على أن بعض التجار حققوا في السنوات الأولى هامش ربح مرتفعًا جدًا.

وأشار إلى أن تصدير السيارات ذات العلامات التجارية العالمية من الصين لا يعد أمرًا قانونيًا، حيث تمنع الشركات العالمية تصدير سياراتها المصنوعة بالصين، إنما تكون مخصصة للسوق الصيني فقط. موضحًا أن بعض التجار الصينيين تمكنوا من الالتفاف على هذه الشركات: «بتنباع على الورق على أساس إنها انباعت داخل الصين، وبعدين بتتصدّرلنا عن طريق مكاتب وساطة تجارية صينية». وهو ما قد يفسّر تبرؤ شركة فولكسفاغن من سياراتها الواردة من الصين والمنتشرة في أسواق دول عديدة ومنها الأردن، حتى إنها دخلت في معركة قانونية مع تجار ألمان ممن استوردوا سيارات منشأها صيني إلى ألمانيا نفسها.

يقول الزرو إن التجار الأردنيين الآخرين لحقوا بمن سبقهم بعدما اكتشفوا لاحقًا الطريق إلى السيارات الكهربائية المدعومة، فخفّضوا أسعارها في السوق حتى يتمكنوا من منافسة التجار الكبار، وهكذا انكشفت الأسعار في السوق المحلي، ما اضطر جميع التجار لتخفيض أسعارها وصولًا إلى مستواها الطبيعي.

عمومًا، يُلاحظ أن هبوط أسعار السيارات المتوسطة والكبيرة ذات السعر الأعلى والمدى الأطول، كان أكثر حدّةً مقارنة بالسيارات الصغيرة ذات السعر المنخفض نسبيًا، وقد خفضت وكالات مثل شانجان سعر بعض سياراتها مقابل تقليل عدد سنوات الكفالة من خمسة إلى ثلاثة.

انخفاض الأسعار في السوق العالمي

يشير ممثل قطاع المركبات في هيئة مستثمري المناطق الحرة جهاد أبو ناصر إلى أن أسعار السيارات تأثرت بهبوط وارتفاع أسعار شحن البضائع بعد جائحة كورونا، حيث ارتفعت في منتصف عام 2021 لأعلى مستوياتها بسبب المنافسة الشديدة بين المورّدين ما أثر على أسعار مدخلات إنتاج السيارات، وأثر على أسعار نقل السيارات نفسها، قبل أن تبدأ بالانخفاض تدريجيًا. ثم عادت أجور الشحن من الصين لترتفع منتصف عام 2022، فقوبلت بزيادة في اسعار السيارات الكهربائية. وعادت إلى الهبوط مرة أخرى نهاية العام حتى وصلت إلى الاستقرار منذ منتصف 2023 حتى اليوم، وهو ما أعاد السيارات إلى أسعارها المعتادة.

لكن، ليس هذا هو العامل الوحيد الذي تحكم بأسعار السيارات الواردة إلى الأردن، يشير الزرو إلى أن الصين خفضت أسعار سياراتها نظرًا لكميات الإنتاج الهائلة داخل الصين، إذ أدى إطلاق طرازات جديدة وزيادة الإنتاج إلى وفرة من السيارات الكهربائية وانخفاض الأسعار.

يضاف إلى ذلك، بحسب الزرو، المنافسة الشديدة بين شركتي BYD الصينية وتسلا الأمريكية، حيث استطاعت BYD أن تكسر هيمنة تسلا على سوق السيارات الكهربائية بإنتاجها السيارة رقم سبعة ملايين هذا العام، محتلة بذلك المرتبة الأولى في العالم لأول مرة. وصارت BYD لاعبًا فاعلًا بعد سنوات طويلة من احتكار الشركات العالمية للسوق، والتحكم بأسعار السيارات. وهي اليوم تجبر تِسلا أن تخفّض جميع أسعار مركباتها، حيث انخفض سعر سيارة تسلا، موديل Y، من 70 ألف دولار إلى نحو 52 ألفًا خلال عام واحد بين أوائل العامين الماضي والحالي. علمًا بأن تخفيضات تسلا أجبرت شركات سيارات أخرى -مثل فورد وهيونداي وشيفروليه- على تخفيض أسعارها أيضًا، خصوصًا في الولايات المتحدة.

تعمل شركات صينية كبيرة مثل BYD وCATL على استثمار المليارات في البحث والتطوير، من أجل إنتاج بطاريات أكثر حداثة بأسعار منخفضة، ما يساهم في تخفيض أسعار السيارات الكهربائية عالميًا.

بالإضافة إلى ما سبق، يُعزى انخفاض أسعار السيارات الكهربائية بشكل مستمر إلى تطور الصناعة بسرعة فائقة، ومحاولات ابتكار أنواع جديدة من البطاريات. إذ يجد المصنعون طرقًا جديدة لتبسيط تصنيع البطاريات،[1] واستخدام مواد مثل السيليكون، التي قد تقلل من وقت الشحن وتزيد من كثافة الطاقة. ومن ضمن هذه الابتكارات بطاريات الحالة الصلبة التي ما تزال قيد البحث والتجريب،[2] والتي ساهم انتشار الحديث عنها مؤخرًا في الأردن بانخفاض أسعار بعض السيارات الكهربائية.

يضاف إلى ذلك، الانخفاض الحاد في أسعار الليثيوم، إلى جانب الانخفاضات الحادة في معادن النيكل والكوبالت، وهو ما خفّض أسعار البطاريات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، ويعود الانخفاض الحالي في أسعار الليثيوم جزئيًا إلى التوسع في التعدين. وقد انخفض السعر القياسي لمواد البطارية في الصين اليوم بنحو 80% عن أعلى مستوى قياسي له في تشرين الثاني 2022. وبالإشارة إلى أن البطارية تمثل أكثر من ثلث سعر السيارة الكهربائية، فإن انخفاض أسعار الليثيوم له تأثير كبير في انخفاض أسعار السيارات وكفاءتها وعدد الكيلومترات التي تقطعها.

يحدث هذا مع مواصلة الصين سعيها لمنافسة المصنعين الأوروبيين والأمريكيين في سوق إنتاج البطاريات، حيث تعمل شركات صينية كبيرة مثل BYD وCATL على استثمار المليارات في البحث والتطوير، من أجل إنتاج بطاريات أكثر حداثة بأسعار منخفضة، ما يساهم في تخفيض أسعار السيارات الكهربائية عالميًا.

يرى الزرو أن تسارع تطور التكنولوجيا سيؤدي بالضرورة إلى نزول الأسعار بشكل أسرع مما كان يتوقعه المستهلكون. ولكنه بالمقابل يضع اللوم في إغراق السوق بالسيارات الكهربائية التي تفوق طلب المستهلك إلى غياب المعايير والاشتراطات التي تحكم مواصفات السيارات المستوردة، فضلًا عن غياب الرقابة والتخطيط وضبط الاستيراد الفردي وغير المنظم للسيارات الكهربائية. مشيرًا إلى عدم وجود بروتوكول ينظم التعامل في مرحلة ما بعد استيراد مئات آلاف السيارات الكهربائية، مثل مسائل حماية المستهلك، وخدمات ما بعد البيع، ومعايير التخلص من النفايات المشعة الضارة بالبيئة والصحة، وغيرها من المسائل التي تتعدى الجدل القائم حول هبوط الأسعار.-(حبر)