«معاداة السامية».. من كذبة مسمومة إلى تهمة قاتلة! (2- 2)

رجا طلب 

اُكمل في هذا المقال ما بدأته في المقال السابق والذي ناقش بديهيات المصطلحات التى تتعلق باليهود واليهودية واصولهم السامية من عدمها، والنقطة المهمة التى اود البدء بها هذه الحلقة الثانية من المقال والتى لن اخوض بتفاصيلها وتشعباتها متعمدا لضيق مساحة النشر هي نقطة اصول اليهود في اوروبا واعراقهم واخص اوروبا لان «المسالة اليهودية» وإبعاد مشكلة ما يسمى بمعاداة السامية بدات في أوروبا، وفي تلك القارة ثبت لدى الأغلبية العظمى من المؤرخين أن يهود أوروبا هم بالأساس ليسوا ساميين، وأن من اُطلق عليهم «يهود» تعود أصولهم إلى خليط من الشعوب أهمها بعض القبائل من القوقاز وقبائل «الخزر ومعظمها من قبائل تركية قديمة» والتي كات وثنية ثم اعتنقت اليهودية.

ويقول آران الحايك الباحث من معهد جونز هوبكنز في مدينة بالتيمور الأميركية أن اليهود المنحدرين من أصول أوروبية يمثلون أكثر من 90% من يهود العالم والذين كان عددهم 13 مليونا عند اجراء الدراسة عام 2013، وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تتناقض بشكل صارخ مع ما تروج له الدوائر اليهودية – الصهيونية من أن أسلاف هؤلاء «اليهود» فروا من فلسطين بعد دخول الإسلام إليها، وهذه النتيجة المفصلية في هذا الموضوع لم يستطع الصهاينة حسمها لا تاريخيا ولا جينيا لصالح روايتهم «الكاذبة» إلا أنهم تمكنوا وبفضل أدواتهم الدعائية من ترويج «أكذوبة» أن اليهود في كل العالم هم ساميون.

أصل تسمية معاداة السامية؟

بالعودة إلى تاريخ هذه التسمية سنجد أن مطلقها هو (ولهلم مار) الصحافي الألماني عام 1879 في سياق الإشارة إلى العداء الكبير الذي كان يتعرض له «اليهود السلاف والخزر بشكل عام»، من قبل العرق الاري الألماني ولم يكن يعلم هذا الرجل أن تلك التسمية ستكون أحد ركائز الخطاب الدعائي الأساسي للصهيونية الذي اعتمدته «الصهيونية العالمية» مع بدء التخطيط ولاحقا التنفيذ لمشروعها على أرض فلسطين في بداية القرن العشرين حيث اعتمدته كخطاب رسمي للمشروع الصهيوني مستغلين ومستثمرين موضوع «المحرقة» والاضطهاد النازي «للاشكيناز» لتمرير هذه الرواية وترسيخها وكأنها حقيقة.

من أكثر الأمور غرابة واستهجان أن الخطاب السياسي العربي طوال أكثر من مئة عام لم يتصد لهذه الأكذوبة بالقول أن من جاءوا من خارج الأرض العربية بصفتهم يهودا هم ليسوا ساميين أصلا، وأن العرب هم العرق السامي الأكثر نقاء وارتباطا بآدم وبإبراهيم «أبو الانبياء»، وأن اليهود من غير العرب هم لا علاقة «جينية أو عرقية» بالسامية لا من قريب ولا من بعيد.

والسؤال هنا هل من الصعب مثلا أن يقال لنتنياهو وكل قادة دولة الاحتلال من قال أنكم ساميون أصلا ومن قال لكم أنكم ترجعون لهذه الأرض.

نملك في سياق هذه المعركة التاريخية الكبرى براهين التاريخ والعلم ونملك معها الحق في إنكار زيف الادعاءات الكاذبة للصهيونية العالمية ولكن ما يجعلنا عاجزين هما أمران:

الأول: غياب الإرادة السياسية العربية للمواجهة على الأقل بالبعد التاريخي الذي يعري الرواية المزيفة للصهيونية بشأن الأحقية الدينية والتاريخية بفلسطين.

الثاني: تغييب الأدوات العلمية – التاريخية العربية القادرة على فضح الرواية الصهيونية وتعريتها، وفي حال جاءت الإرادة العربية لتنفيذ ذلك من الضروري توفير الأدوات الإعلامية والإمكانيات المادية لخوض معركة ثقافية سياسية تاريخية من هذا النوع هي في واقع الأمر «أم المنازلات والمعارك» التاريخية.