هاتوا برامجكم.. وتنافسوا

جهاد المنسي

أقل من أربعة أشهر تفصلنا عن موعد انتخابات مجلس الامة العشرين، التي ستجري في العاشر من ايلول (سبتمبر) المقبل، وهي مدة ليست قليلة، وفي نفس الوقت ليست بعيدة، ولهذا فإن الاحزاب السياسية التي ستخوض الانتخابات لتتنافس على 41 مقعدا حزبيا خالصا، اضافة إلى حقها في المنافسة على 97 مقعدا فرعيا من خلال  متنافسين خارج اطار القائمة الحزبية.

ولأن الوقت يمضي، وما تزال الاحزاب تتلمس طريقها، دون مبادرات واضحة، ولأن استنهاض همم تلك الاحزاب وحثها للتحضير للانتخابات المقبلة، واجب جمعي يتشارك فيه الكل، فإنه وجب علينا حث الأحزاب  الكشف عن رؤيتها وبرامجها، والبدء بإجراءات طرح أسماء المرشحين على جمهور المواطنين، وتقديم نفسها للناخبين الذين يفوق عددهم 5 ملايين ناخب، والأهم ان تكون تلك البرامج واضحة للجميع لا تملق فيها ولا تطبيل.

وحتى تنجح التجربة فإن كل الأطياف السياسية والحزبية ومفاصل الدولة المختلفة، عليها التسليم بأن جميع الاحزاب في الأردن مرخصة وفق القانون، وبالتالي فإن الذهاب للتشكيك بهذا الحزب او ذاك، والحديث عن امتدادات خارجية لبعضها سيفهم منه انه يأتي في اطار التطاول على القانون، ويتوجب احالة المشككين للنائب العام لاتخاذ اجراءات قانونية بحقه، فأحزاب ارادة والميثاق وعزم والتيار الوطني وتقدم، والائتلاف الوطني، وغيرهما، لا تختلف عن أحزاب الوحدة الشعبية وحشد والشيوعي والعمل الإسلامي والديمقراطي الاجتماعي والبعث، فتلك الاحزاب جميعها استكملت شروط الترخيص وفق القانون وباتت تتمتع بشخصية اعتبارية لا يجب التشكيك فيها.
بالمقابل، وحتى تنجح التجربة فإن نقد البرامج الحزبية او تأييدها، يقع في اطار الاصطفاف الحزبي الذي نريده ونسعى اليه، والتنافس بين الأحزاب يجب ان يكون على البرامج والرؤى، فلا ضير من وجود احزاب تدعم برامج الحكومات طالما توافقت الحكومة مع برنامج الحزب وايدته واخذت منه وتبنته، فيما يتوجب على الاحزاب الأخرى بعيدا عن مشاربها الفكرية ان تبتعد عن التصفيق والتطبيل للحكومات طالما ابتعدت الحكومة عن برامج تلك الأحزاب، ومن هذا المنطلق فإن التأييد والمعارضة تخص كل الاحزاب وليس احزابا بعينها.
لهذا فإنه طالما تم التعامل مع هذا المنطلق والابتعاد عن حفلات التطبيل للحكومات بالشكل الذي رأيناه في المجلس الحالي ومجالس سابقة فإن تجربتنا ستكون بخير، أما إذا اردنا أحزابا ديكورية أوجدناها لتأييد الحكومات ومعارضة الاحزاب العقائدية ومهاجمتها، فإنني أعلنها منذ الآن اننا سنفشل ونفشل الرؤية الاصلاحية التي ارادها الملك وتحدث عنها في اوراقه النقاشية.
نعم، نريد احزابا ببرامج متكاملة، برامج سياسية واقتصادية وزراعية وإدارية واجتماعية ومالية وتنموية وغيرها، اما إذا اختارت الاحزاب وخاصة الناشئة منها ان تبقى بربطات عنق لا تندمج مع الناس ولا تلامس مشاكلهم، فإننا قد نكرر وقتها ما حصل معنا ابان التحول الديمقراطي بعد عام 1989، هذا التحول الذي وضع في طريقه الكثير من عصي التعطيل، ولذا فإن كل محركات الدولة وأدواتها عليها تقبل المرحلة، ونزع يدها من لعب دور الراعي والمهيمن، وترك التجربة تأخذ وقتها الكافي، وعدم التأثير عليها او تعطيلها.
ملخص القول ان التجربة الجديدة تحتاج لدعم من قبل الدولة بكل اطيافها، وايضا تحتاج من الاحزاب الوليدة التي تشكلت حديثا، او تلك التي كانت قائمة سابقا تقديم برامج واضحة وواقعية لا غلو فيها ولا مهادنة، وقتذاك يمكننا القول اننا بالفعل بدأنا مرحلة الإصلاح.
فيا أيها السادة، ماذا تنظرون، لا تتأخروا في تقديم برامجكم، فالوقت يمضي، والأردن يستحق إصلاحات حقيقية توصلنا لفكر الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على سيادة القانون والعدالة الاجتماعية والمواطنة والمساواة، والاعتماد على الذات، وتعزيز الرؤى الإصلاحية.