المقاومة تكسب جولة..
راكان السعايدة
وافقت المقاومة في قطاع غزة على مقترحات الوسطاء لوقف إطلاق النار، وهي تعلم يقينًا، وبشكل مسبق، أن رئيس وزراء "إسرائيل" بنيامين نتانياهو وحلفائه في اليمين المتطرف سيرفضنها ويعيقون طريقها.
وهذا ما تم بالفعل، فرغم أن المقترحات صيغت بإشراف أميركا من خلال مدير مخابراتها شخصيًا، إلاّ أن نتانياهو وضع العصا في دولابها، لسبب بسيط هو أن موافقته عليها يعني وضع الفصل الخير في الهزيمة الاستراتيجية التي مني بها وكيانه في السابع من أكتوبر.
وكي نفهم مآلات الأشياء لا بد من فهم أسباب كل طرف في قبول أو رفض المقترحات، وعلى أساس موضوعي، حتى الوصول إلى خلاصات واستنتاجات لهذه المآلات.
"إسرائيل":
لا يمكن لبنيامين نتانياهو أن يوافق على هذه الصفقة لأسباب ذاتية وموضوعية، ومن هذه الأسباب:
أولًا: يعلم نتانياهو يقينًا أن توقيعه بالموافقة على المقترحات، في مراحلها الثلاث، يعني توقيعه على نهايته السياسية، وسجنه على فساده السابق لطوفان الأقصى.
ثانيًا: يعلم نتانياهو أن موافقته على المقترحات يعني انهيار حكومته بخروج المتطرفين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش، وهذان اليمينيان المتطرفات يؤمنان له أغلبية في الكنيست.
ثالثًا: يعلم نتاياهو أن المعارضة التي يقودها يائير لبيد لن تؤمن له شبكة حماية للبقاء في رئاسة الحكومة، وهو، أي نتانياهو، لن يغامر بأي صفقة مع لبيد أو حتى بيني غانتس وغادي آيزنكوت (عضوا مجلس الحرب)، بل أن نتاياهو وحلفائه في اليمين يتمنوا أن يستقيلا ويغادرا مجلس الحرب.
رابعًا: يعلم نتاياهو أن حربه الهمجية الفاشية المستمرة منذ أكثر من سبعة أشهر فشلت في تحقيق أهدافها: لا حررت أسرى، ولا هجرت أبناء غزة، ولا قضت على المقاومة، وبالتالي أي وقف مستدام لإطلاق النار يعني نهايته وتعميق تشظي كيانه وخسارته كل مبررات وجوده.
لهذه الأسباب، وغيرها، لن يوقع نتاياهو بالموافقة على أي مقترحات لا تكون تعبيرًا عن نصره، والأهم لن يوقع على مقترحات تنتهي بوقف الحرب نهائيًا، فهو يريدها حربًا مستمرة أطول وقت ممكن حتى يحقق أهدافه ليعود إلى جمهوره بأي نصر ينقذ مستقبله السياسي ويمنع عنه السجن.
والأهم، نتاياهو يعي أن أميركا لن تتخلى عن أمن "إسرائيل" ووجودها وهيمنتها كقلعة متقدمة في المنطقة مهما فعلت وأجرمت، وهو، أي نتاياهو، مطمئن لهذا الجانب ويستثمر فيه، لذلك هو يصد العديد من مطالب إدارة جو بايدن ولا يتساوق معها ويستمر في غيه نتيجة لأطمئنانه للموقف الأميركي الاستراتيجي من الكيان.
ومن يضرب بعرض الحائط أغلب مطالب أميركا وإدارتها، لن يقيم وزنًا لا للدول الأخرى، ولا للمنظمات الأممية، ولا لمواقف الشعوب، فقد تمكن الكيان من هضم الاعتراضات العالمية كلها، ولم تعد تشغله، ولم يعد يفكر بتقديم تنازلات كبرى لقاء استعادة كسب العالم.
على هذا الأساس، من يظن أن الكيان في ظل حكم اليمين المتطرف في الوضع الراهن يمكن أن يصدع للمطالب الجماهيرية الداخلية أو يستجيب للضغوط الخارجية، مصاب بالوهم ويحتاج إلى تعميق نظرته للكيان وتفاصيل حراكه ومنطقه.
المقاومة:
جملة أسباب دفعت المقاومة إلى قبول مقترحات الوسطاء ومن بين هذه الأسباب:
أولًا: تعميق أزمة الكيان الداخلية، وتحديدًا تعميق الأزمة بين اليمين المتطرف الحاكم والمعارضة من جهة، وبين اليمن الحاكم والجمهور خصوصًا ذوي الأسرى لدى المقاومة.
ثانيًا: تعميق الأزمة بين الإدارة الأميركية واليمين الإسرائيلي، فالمقترحات تمت صياغتها بإشراف أميركي، وهي الإدارة التي تريد صفقة لأسباب انتخابية ولتبريد المعارضة الداخلية خصوصًا معارضة طلاب الجامعات.
ثالثًا: المقاومة تريد أن تقول للعالم، ولجمهورها، انها مرنة ولا ترفض الوسطات والمقترحات المنطقية لتسوية الأزمة، وأن "إسرائيل" ويمينها الحاكم هي التي تعيق مساعي الوسطاء وتريد أن تواصل القتل والتجويع في القطاع.
رابعًا: المقاومة تعي تمامًا أن إنهاء العدوان بهذه الطريقة وهذا التوقيت هو نصر حاسم لها، وضمان بقاء حكمها أو على الأقل تكون الفاعل الرئيسي في أي شكل حكم مقبل لقطاع غزة.. وهي أيضا ضمنت الإغاثة والاعمار.
إن المقاومة مارست ذكاء ودهاء كبيرين في توقيت موفقتها على مقترحات الوسطاء ونوعية هذه المقترحات، ووضعت الجميع، "إسرائيل" وأميركا وحتى الوسطاء في موقف حرج للغاية.
مارست هذا الذكاء وهذا الدهاء دون أن تتوهم قبول "إسرائيل" للمقترحات، فالمقاومة تقرأ "إسرائيل" من الداخل جيدًا، وتعي مفاعيلها السياسية والأمنية والعسكرية.
أي أن المقاومة كسبت جولة مهمة جدًا، سواء قبلت "إسرائيل" المقترحات أم رفضتها، فأي خيار يعتمده الكيان الصهيوني نتيجته في صالح المقاومة.