الأردن وحماس.. القصة الكاملة
سميح المعايطة
علاقة الأردن بحماس ربما لا يعرف الكثيرون تفاصيلها وتاريخها، ونجد في زحمة العدوان على غزة والتداعيات الاخيرة أحاديث من البعض عن هذه العلاقة، فكيف كانت والى أين تتجه؟
بعد الاعلان عن حماس نهاية الثمانينيات كانت الحركة تتبع لتنظيم الإخوان المسلمين في الأردن وأول تعريف لها في ميثاقها الأول انها الذراع العسكرية للاخوان المسلمين، وكان جزء مهم من قيادتها في الخارج موجودين في الكويت والسعودية ودول اخرى وكان معظمهم من حملة الجنسية الأردنية، ولهذا فبعد دخول العراق للكويت عادوا ضمن مئات آلاف الأردنيين الى الأردن، وبدأ نشاط الحركة الأولي في الأردن.
تلك الفترة كانت بعد انتخابات 1989 وكان الاخوان في ذروة حضورهم وقوتهم، فاستفادت حماس من تلك الاجواء فكانت حاضنة الاخوان والحاضنة السكانية وبدأت الحركة تنشئ مؤسسات مختلفة على الساحة الأردنية، وكان هناك تفاهم مع الدولة على حدود التواجد السياسي، لكن محطات عديدة كشفت للدولة التمدد لحماس على الساحة الأردنية خارج التفاهم، وكان يتم حل اي مشكلة وتغليب البعد السياسي بما في ذلك أول قضية أمنية تم فيها توقيف عدد من عناصر قيادية من الإخوان وحماس يوم أن كان عبداللطيف عربيات رحمه الله رئيسا لمجلس النواب وطلب من الحسين رحمه الله العفو عن الموقوفين فيها وقد كان.
وبقيت تلك العلاقة تسير بقوة دفع سياسية رغم الأبعاد الاخرى، ويوم ان تم اعتقال د.موسى ابو مرزوق في الولايات المتحدة منتصف التسعينيات وكان رئيسا للمكتب السياسي للحركة كان الحسين رحمه الله من تدخل مع الإدارة الاميركية لإطلاق سراحه وعاد الى الأردن، وبعدها كانت محاولة اغتيال خالد مشعل التي وقف فيها الملك حسين موقفا صلبا تجاه الاسرائيليين حتى تم إنقاذه والافراج عن الشيخ احمد ياسين ونقله للأردن للعلاج ثم عاد لغزة، وهي مواقف لا يمكن أن تصدر إلا من الأردن وصدقه مع نفسه والآخرين.
وخلال سنوات وجود حماس في الأردن حتى عام 1999 كانت هناك قضايا وملفات كثيرة لا يعلمها الناس لكن عنوانها ان حماس تمددت في الأردن أمنيا وعسكريا، وحماس تعلم جيدا تلك الملفات كما تعلمها الدولة الأردنية والتي لم يتم اعلانها منذ ذلك الوقت بما في ذلك القضايا التي لم تعلن وكانت قبيل العدوان على غزة لكنها معلومة للطرفين والمتابعين.
ولأن الذاكرة الأردنية تحمل تجربة مريرة مع فصائل منظمة التحرير بكل قياداتها في السنوات الاخيرة من الستينيات، حيث كانت نهاية الامر الاحداث الأمنية بعدما ضاعت بوصلة تلك الفصائل واصبح شعارها "كل السلطة للمقاومة " واصبحت عمان في شعاراتها هانوي العرب، واصبح اسقاط النظام الملكي الأردني هو هدف تلك الفصائل وليس مقاومة الاحتلال، وكانت اول محاولة لإقامة الوطن البديل في الأردن وبالقوة العسكرية، لذا، فالأردن اصبح حذرا من اي مسار يحول الأردن إلى ساحة لأي تنظيم يمارس فيها نشاطاته المختلفة، كما أن الأردن في عهد الملك عبدالله تجاوز اي مسار فيه منافسة مع منظمة التحرير، واصبحت اولويته دعم الفلسطينيين لنيل حقوقهم على أرضهم وخاصة السلطة الفلسطينية السلطة الرسمية الممثلة للشعب الفلسطيني، دون أن يتدخل الأردن بالخلافات الفلسطينية او يجعل من الأردن ساحة صراع فلسطيني فلسطيني.
الأردن ليس عدوا لأحد لكن له معادلته الأمنية والسياسية التي من حقه كما أن واجبه تجاه نفسه ان يحافظ على الدولة من التحول الى ساحة لأي تنظيم غير أردني، ولهذا أعاد رسم العلاقة مع حماس وفق معادلاته الأمنية والسياسية، لكن هذه العلاقة لم تنقطع وما تزال موجودة عبر جهات أمنية، مثلما هي علاقة حماس مع مصر أمنية وعبر المخابرات المصرية فقط لاغير.
حماس تعلم جيدا تفاصيل علاقتها في الأردن خلال وجودها هنا، والأردن ليس عدوا لحماس الموجودة في فلسطين والتواصل الأمني موجود، لكن حماس في نظر الأردن تنظيم فلسطيني ساحته الاساسية فلسطين وهذا ما كانت تقوله حماس في بدايتها، لكن من حق الأردن ان يكون لديه اولويات فيما يتعلق بعمل اي جهة على الأرض الأردنية.
وعندما جاء العدوان على غزة لم يتعامل الأردن مع غزة على أنها منطقة تحكمها حماس بل تعامل معها على أنها أرض فلسطينية يسكنها الشعب الفلسطيني وعلينا واجب مساندتها، وهذا ما كان لأن الأردن لا يتعامل مع فلسطين وقضيتها على اساس تركيبتها الفصائلية بل بأنها قضية عربية.
المعادلة الأردنية مع القضية الفلسطينية وتاريخ العلاقة مع التنظيمات الفلسطينية تعطي للأردن الحق بأن يمتلك مسارين الاول دعم ومساندة للقضية الفلسطينية وشعبها وتقديم كل الممكن لخدمة الأشقاء وبين الحفاظ على ساحته من ان تتحول إلى ساحة عمل سياسية وعسكرية ومالية لأي تنظيم من الفصائل الفلسطينية.
هذا الحديث قد لا يعجب البعض لكن من حق الأردن ان يغلق الابواب امام تكرار تجربة سيئة كانت مع فصائل المنظمة، دون ان يؤثر هذا على موقفنا الصادق من القضية الفلسطينية والوقوف الى جانب الأشقاء ضد المحتل.
حماس او فتح او الجبهة الشعبية والديمقراطية وكل التنظيمات الفلسطينية ساحة عملها فلسطين، والدعم لفلسطين وقضيتها واجبنا لكن ليس من ضمن الواجب تحويل الأردن الى ميدان نفوذ لهذه التنظيمات.
البعض حاول ويحاول استثمار فترة العدوان على غزة للضغط على الدولة لإعادة فتح الساحة الأردنية لحماس، لأسباب تنظيمية، وهذا واضح في الشعارات والمطالبات وهذا ايضا أمنية لقيادة حماس في الخارج وخاصة في ظل إمكانية فقدانها لمقر اقامتها في قطر، لكن المطالبة المجدية زيادة التضامن مع غزة واهلها، فالدولة كما قيادة حماس في الخارج تعلم القصة الكاملة من بداية التسعينيات وحتى ما قبل العدوان على غزة باشهر قليلة.
ربما كانت التنظيمات المحلية وقيادة حماس في الخارج بحاجة إلى هدوء وحكمة في تعاملها مع الأردن.. النصير الاهم للفلسطينيين، وألا نرى ذلك الانفعال السلبي تجاه الأردن أو أي سلوك سياسي لم يخدم تلك التنظيمات الأردنية وغير الأردنية بل أخرج من داخلها ما لم يكن من مصلحتها خروجه.