التصورات الأخطر في هذه الحرب

ماهر أبو طير 

تتدفق المعلومات حول هجوم إسرائيلي وشيك على رفح، هذا على الرغم من أن التحليلات تقول إن إسرائيل قد تشن عمليات محدودة، وليس هجوما كاملا على رفح المتكدسة بالفلسطينيين.

الهجوم الكامل والشامل سيؤدي إلى مجزرة تتسبب باستشهاد وجرح مئات الآلاف، وسط مشهد دموي، ويحذر منه كثيرون، وهذا يعني أن إسرائيل قد تلجأ إلى تنفيذ عمليات عسكرية في مواقع محدودة في الوقت الذي تفتح فيه مسارات لخروج الفلسطينيين إلى مواقع مختلفة.

 

من التصورات المهمة هنا أن إسرائيل إذا وافقت على صفقة لوقف الحرب، مقابل إطلاق أسرى إسرائيليين، والسماح للفلسطينيين بالعودة إلى الشمال، ترتبط بخدعة أمنية، من خلال وضع حواجز عسكرية إسرائيلية للتدقيق في هويات العائدين إلى الشمال، والبحث عن قوائم معروفة لدى إسرائيل، وهذا التصور الخطير يعني أن السماح بالعودة إلى الشمال سيكون متاحا للمدنيين من خلال الغربلة الأمنية، ومن أجل إخلاء رفح من أكبر عدد ممكن من الناس عبر إعادة سكان الشمال إلى مناطقهم، فيما سيتم إبقاء المطلوبين في رفح، تمهيدا لعملية عسكرية تجري في وقت لاحق، بكلف بشرية أقل، خصوصا، أننا أمام حرب مفتوحة زمنيا.

هناك آراء تحليلية عميقة تقول إن إسرائيل أمام حزمة خيارات أيضا، فهي لا تريد إنهاء المقاومة إلا عسكريا، وتفضل بقاء التنظيمات إداريا وسياسيا، من أجل إدامة الانقسام الفلسطيني في العلاقة مع سلطة أوسلو في رام الله، وإبطال المطالبات بدولة فلسطينية على أساس عملية السلام، وهذا التصور أيضا أخطر من السابق ويرتبط بما بعد الحرب، وهذا يعني أن كل الكلام عن قوات عربية وأجنبية تدخل إلى قطاع غزة، وعن أنماط مقترحة للإدارة المحلية، مجرد كلام للاستهلاك، لأن إسرائيل تريد بعد هدم القطاع، وتدميره على كافة المستويات، تركه لمصيره بوجود السلطة الحاكمة فيه، منزوعة السلاح، لتواجه الموقف الشعبي بلا أدوات فاعلة للحل أو إدامة الحياة، وفي الوقت ذاته تثبيت حالة الانقسام والتنافر بين ما يفترض أنهما جناحا مشروع الدولة الفلسطينية العتيدة، والتي تعد وهماً كبيراً منذ اليوم الأول لاتفاقية أوسلو وتعهداتها.

نحن أمام مشهد معقد، لأن إسرائيل أيضا لا تريد وقف الحرب كليا، ولا الانسحاب الكلي من القطاع، وتريد إعادة ترسيمه جغرافيا، على أساس خريطة سكانية جديدة، ترتبط بإعادة التموضع الأمني والعسكري، وما يرتبط بالمعابر والثروات، وحركة الغزيين الاجتماعية والاقتصادية.

عقدة التواقيت تلتقي أيضا مع طبيعة الحكومة الإسرائيلية، وقرب الانتخابات الأميركية وما يعنيه ذلك من إمداد إضافي لإسرائيل خلال الحملات الانتخابية المبكرة والتمهيدية، وما سيلي ذلك، من هواجس في المنطقة من عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، ومع هذا ملف الإقليم، وقدرة الإدارة الحالية على المقايضة بين وقف الحرب كليا، وعقد صفقة سلام إقليمية، فيما يقف الإيرانيون بكل نفوذهم بانتظار تسوية ملفهم عبر تقاسم النفوذ سلميا أو عسكريا.

يقال كل هذا الكلام لأولئك الذي يصرون على أننا أمام معركة في قطاع غزة فقط، ونريد التذكير مجددا بكون المشهد ليس محليا في فلسطين حصرا، بل يرتبط بجملة ترتيبات في كل المنطقة، قد تؤدي إلى إعادة الصياغة كليا، ويشمل ذلك وضع سلطة أوسلو، والتغييرات التي قد تجري عليها، كهيكل إداري وأمني وسياسي، بالتوازي مع التخطيط للهيكل الحاكم في غزة، تمهيدا لمرحلة مقبلة، تتسم بالتخطيط الإستراتيجي، وتتجاوز مبدأ العقاب على خلفية السابع من أكتوبر، خصوصا، ونحن نقترب من الشهر الثامن من الحرب بما يعنيه ذلك من كلف.

تبقى الخلاصة الأهم، أي أن أي هدنة منتظرة مع إسرائيل ستكون مؤقتة، مهما كانت مواصفاتها، وستعود إسرائيل إلى مواصلة تنفيذ أهدافها الإستراتيجية فيما نتشاغل نحن بردود الفعل اليومية، وهي ردود تتجاهل بحسن نيّة، أو سوء نيّة، الغايات الإستراتيجية الأخطر.