لا تعيدوا العصا إلى يد المعلم
د. أشرف الراعي
انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي منشور بعنوان «أعيدوا العصا إلى يد المعلم»، ومع اختلافي مع مضمون هذا المنشور وما تبعه من تعليقات كانت تدعو وتحرض على إعادة «هيبة المعلم» عبر استخدامه لوسيلة الضرب، فلا بد اليوم من مناقشة هذه القضية بصورة قانونية ومجتمعية، لا سيما وأن المنشور يشكل «تحريضاً» على إيذاء الأطفال من جهة، ومن جهة أخرى أهمية مناقشة مدى عنف المجتمع أحيانا في التعامل مع أبنائنا الطلبة تحت بند «التربية الصحيحة»، وضرورة التوعية بحقوقهم وعدم الاعتداء عليهم أو الإساءة لهم، ضمن جملة من المحاور.
أولاً: لقد كرّم الله عز وجل الإنسان ومنع إهانته، حيث يقول الله عز وجل في محكم كتابه «ولقد كرمنا بني آدم».. صدق الله العظيم، لذلك جاءت النصوص القانونية بمعاقبة من يعتدي على إنسان بالضرب حتى ولو كان طفلاً واضحة وشاملة؛ حيث تنص المادة (333) من قانون العقوبات الأردني على أن: «كل من أقدم قصدا على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه بأي فعل مؤثر من وسائل العنف والاعتداء نجم عنه مرض أو تعطيل عن العمل مدة تزيد على عشرين يوما، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، ويكون الحد الأدنى للعقوبة سنة إذا استخدم سلاحاً.
أما الإيذاء البسيط في القانون الأردني، وهو الذي لا يؤدي لتعطل المجني عليه عن العمل لأكثر من عشرة أيام، وهو أبسط أنواع الإيذاء البسيط، وهذا الإيذاء يتطلب شكوى من المجني عليه، وإذا تنازل عنها سقطت تبعاً لها دعوى الحق العام، فتنص عليه المادة 334 من قانون العقوبات بما يلي: «إذا لم ينجم عن الأفعال المبينة في المادة السابقة أي مرض أو تعطيل عن العمل أو نجم عنها مرض أو تعطيل ولكن مدته لم تزد على العشرين يوما عوقب الفاعل بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بغرامة لا تزيد على مائة دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين.. ولا يجوز في هذه الحالة تعقب الدعوى بدون شكوى المتضرر كتابة أو شفهيا وفي هذه الحالة يحق للشاكي أن يتنازل عن شكواه إلى أن يكتسب الحكم الدرجة القطعية، وعندئذ تسقط دعوى الحق العام».
كما ينص قانون حقوق الطفل في البند (ج) من المادة (24) على أنه «يُتاح للطفل الاتصال مع مقدمي خدمات المساعدة القانونية دون أي قيد»؛ كما تنص المادة 16 / ج من القانون ذاته على أن «تقوم وزارة التربية والتعليم بالتنسيق مع الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات التي تكفل توفير برامج التوعية المتعلقة بنمو الطفل وتطوراته الجسدية والنفسية وصحته الجنسية وضمان تثقيفه وتوفير التربية الصحية له في كافة المراحل التعليمية بما يتوافق مع سنه وإدراكه».
ثانياً: ما نشهده اليوم من دعوات للعنف على مواقع التواصل الاجتماعي بحاجة إلى وقفة جادة ونظرة إلى تأثيرات ذلك على الأطفال وأسرهم وعائلاتهم خصوصاً ممن يفترض أنهم يحمونهم ويوجهونهم لا سيما الأطفال، وتوعية الأهل والأطفال وحتى المدرسين بحقوق الطفل وهذه مسؤولية مشتركة على مختلف الجهات سواء من القانونيين، أو الخبراء أو المختصين أو أساتذة الجامعات، أو الإعلاميين والصحفيين.
ثالثا: إن حماية حقوق الطفل لا تنطلق فقط من التشريعات القانونية الداخلية بل من التزامات دولية؛ حيث صادق الأردن على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة العام 1991 والتي تضمنت ضرورة اتخاذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة، لإعمال الحقوق المعترف بها في الاتفاقية، مع تحفظه على بعض المواد، وذلك لحماية الطفولة.
لذلك فإن كل قول أو تصريح يتعارض مع هذه المبادئ لا بد من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحقه وفي ذلك توسع في حماية المجتمع من هذه الأفعال التي يمكن أن تؤدي إلى تعرض الأطفال إلى اعتداءات جسدية من معلميهم علماً بأن المعلم أقوى في البنية الجسدية من الطفل ويفترض به أن يحميه ويدافع عنه لا أن يؤذيه ويضربه ويعتدي عليه، فضلاً عن ضرورة متابعة وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام لكل من يقوم بنشر مثل هذه المنشورات التحريضية على أجساد أطفالنا الغضة.