20 دولة فقط تعاقب من يحاول الانتحار.. والجدل في الأردن يحتدم

تتواصل ردود الفعل الناقدة لإقرار مجلس النواب مشروع قانون يعاقب على محاولة الانتحار في الأماكن العامة بالسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر أو بغرامة تصل إلى 100 دينار أو بكليهما، فيما ينص القانون على زيادة العقوبة في حالة محاولة الانتحار الجماعي.
 
وارتفعت معدلات الانتحار في الأردن خلال السنوات العشر الماضية، حيث سجل عام 2020 أكبر عدد من حالات الانتحار بمعدل حالة انتحار واحدة كل يومين.

المحامي وعضو اللجنة القانونية بمجلس النواب، زيد العتوم، قال إن القرار غير معقول "لأنه لا يأخذ في الحسبان شريحة المجتمع الضعيفة وذوي المشاكل العقلية والنفسية".

وبحسب العتوم، فإن العالم "كان يبتعد عن تجريم محاولات الانتحار"، وأن حوالي 20 دولة فقط ما تزال تجرم ذلك، مضيفا أن الأفراد الذين يتخذون هذه الخطوة في كثير من الأحيان يعانون من مشاكل، لذا فإن "تجريم الفعل غير عادل".

أما بالنسبة لمن يتظاهر بالانتحار للابتزاز العاطفي، فقال العتوم، "بموجب القانون، فإن تبرئة ألف مجرم أفضل من إدانة شخص بريء، وبالتالي فإن هذا الأمر يحتاج إلى دراسة من منظور علمي ومتخصص لفهم ما دفع ليتصرف الشخص بهذه الطريقة ويعالج الأسباب".

من جهته، قال أخصائي واستشاري الطب النفسي، وليد السرحان، "هذه خطوة إلى الوراء، وغريبة للغاية"، متوقعا تعديل قانون العقوبات لأنه "معيب بالفعل عندما يتعلق الأمر بالاضطرابات النفسية، وخاصة المادتين 91 و92، اللتين تقسمان الناس إلى فئتين فقط، عاقل ومجنون".

وقال، إنه في حالات محاولة الانتحار، حدد القانون في الأصل أنه يجب على المدعي العام تحديد ما إذا كانت مبادرة الفرد فعلاً أو "مدفوعة من شخص آخر".

وأضاف السرحان، أن قوانين معظم الدول تتطلب من المنظمات الأمنية والقضائية ضمان إرسال أي شخص يحاول الانتحار إلى مؤسسة رعاية نفسية؛ لكن لا يوجد في قانون الأردن مثل هذا الشرط.

واعتبر أن القرار البرلماني الأخير "غير متوقع ومزعج وينتهك أبسط حقوق الإنسان وهو الحق في الصحة والعلاج في حالة المرض".

وقال السرحان، "على الرغم من مرور أربعة عقود من المحاولات لتغيير قانون العقوبات، يبدو أن أولئك الذين يصرحون بالقوانين ليس لديهم نظرة ثاقبة أو خبرة في تفاصيل وأسباب قرار الشخص بالانتحار".

ووفقًا للإحصاءات التي ذكرها، فإن 75% من حالات الانتحار سببها الاكتئاب، و15% بسبب الفصام، والباقي بسبب الإدمان أو مشاكل أخرى.

ووفق السرحان، فإن محاولات الانتحار، من ناحية أخرى، لها أسباب عديدة ، "لكن لا يوجد سبب أو تفسير منطقي لقرار معاقبة من يحاول الانتحار.. يبدو أن هذا القرار قد تم اتخاذه على عجل ودون دراسة متأنية؛ ولم يلتفت النواب إلى المواد القانونية التي يجب تعديلها، وما يزال الظلم يرتكب ضد الناس كل يوم نتيجة القوانين التي تم التصديق عليها قبل 70 عامًا".

أما خبير علم الاجتماع، الدكتور حسين الخزاعي، فيؤكد أن "الشخص الذي يحاول الانتحار يختلف عن الانتحاري"، مضيفا، "أن الشخص الذي يحاول الانتحار لديه مشكلة يريد مشاركتها مع المجتمع؛ ويسعى للحصول على المساعدة من الآخرين، وبالتالي فإن أفضل طريقة لحل المشكلة هي عدم معاقبة هذا الشخص كما لو كان مجرمًا".

وبحسب الخزاعي، فإن 90٪ ممن يحاولون الانتحار يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، وفي كثير من الأحيان صعوبات اجتماعية واقتصادية متداخلة، وعدم القدرة على حل هذه المشاكل يؤدي إلى الاكتئاب، لذلك يجب نقل هؤلاء الأفراد إلى منشأة طبية بشكل صحيح بعد إقناعهم بعدم الانتحار”.

وأضاف، أن "محاولات الانتحار تستنزف البلاد اقتصاديًا وأمنيًا، وأكثر ما يثير القلق هو أن ذلك قد يؤدي بهؤلاء الأشخاص في السجون إلى إقناع الآخرين بالانتحار".

ويعتقد الخزاعي، أن الحل الأفضل هو تقديم المساعدة النفسية والاجتماعية والدينية، المتوفرة فقط في العيادات الخاصة غير الموجودة في الأردن".

وأكد، أن هذا لن يحد بالضرورة من عدد محاولات الانتحار، بل سيكون مخرجًا للمشكلة، "لأنه لم يتم نشر دراسة علمية توضح أن الحبس والغرامات يشفي ويساعد الأفراد الذين يحاولون الانتحار".

وأشار الخزاعي إلى أن عدد حالات الانتحار ارتفع إلى 169 حالة في عام 2019، بحسب تقرير عام 2020، وإضافة إلى هذه الأرقام، فإن السجون الأردنية لديها القدرة على استيعاب 13 ألف محكوم، بينما يوجد حاليا 19 ألف نزيل فيها.

بدوره، قال عالم النفس موسى مطارنة، إن الانتحار يحدث "بسبب الاضطرابات والضغط النفسي الشديد"، وإنه "سيناريو لاشعوري لا يدركه الشخص بشكل كامل"، مؤكداً أن "مثل هذا الشخص لا يمكن أن يكون مجرماً ويعاقب".

وأضاف، "ما يفعله الشخص الذي يحاول الانتحار هو أن يظلم نفسه وليس الآخرين، لذلك يكون من الأنسب للمشرعين أن يأخذوا في الاعتبار هذه النقطة ويعملوا على معالجتها، لأن القانون يهدف إلى حماية المجتمع وليس إلحاق الظلم والقمع على أولئك الذين يعانون بالفعل من الظلم المجتمعي والنفسي".

ووفق المطارنة، "من قرر هذا التعديل القانوني لم يأخذ بعين الاعتبار الجوانب النفسية والاجتماعية، وتغاضى عن أن محاولات الانتحار ناتجة عن عدم التكافل الاجتماعي والدعم النفسي، ونتيجة لذلك تزايدت حالات الانتحار منذ عام 2015".

وبحسب مطارنة، "يحتاج التشريع إلى دفع أموال للأطباء النفسيين لتحديد المشكلة وتحليلها، والتوصل إلى استراتيجية للحماية بدلاً من مجرد تطبيق العقوبات.. مثل هذا الحكم غير عادل ولا يلبي حاجة اجتماعية ولا يردع قضية مجتمعية كان من الأفضل دراستها استراتيجياً من قبل الجهات المعنية بالبشر".

ويرى مطارنة، أن على الحكومة توفير بيئة داعمة لمن يحاول الانتحار، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تطوير الاستراتيجيات والمشاريع والبرامج، بالتعاون مع الخبراء، لمساعدة هؤلاء الأفراد على مواجهة الأعباء والضغوط النفسية التي يواجهونها.