التجاوب مع الأزمات

سلامة الدرعاوي 

في ظل التحديات الاقتصادية المستمرة التي يعيشها الأردن، تكمن الحقيقة في أن هذه البلاد، برغم مواردها المحدودة وبعض التشوهات التي تعتري اقتصادها، قد استطاعت أن تجد لنفسها موطئ قدم بين الدول التي تسعى جاهدة للنهوض والتقدم.

 

 

ولعل الأزمات الكبرى التي تشهدها المنطقة قد فرضت على الأردن تحديات جمّة، إلا أن السجل يُظهر قدرة هذه الدولة على التكيف والمناورة بمهارة فائقة.

 

على مدى سنوات طوال، تعرض الأردن لصدمات اقتصادية متعاقبة، بدءًا من الأزمات العالمية وليس انتهاءً بالأعباء المتزايدة من جراء النزوح واللجوء الذي فرض عليه، ومع ذلك، لم تهتز صلابة هذا البلد، بل استطاع أن يرفع من كفاءة استخدام الموارد القليلة المتاحة له، وأن يحسن من بنيته التحتية ويطور من شبكات المياه والطاقة بشكل يدعو للإعجاب.

وقد شهدت الطاقة المتجددة طفرة نوعية، بينما استمرت الخدمات العامة بالتحسن المستمر على الرغم من الضغوط الديموغرافية الشديدة.

وعلى الرغم من هذه الإنجازات، يبقى الأردن يصارع للحفاظ على استقلاليته الاقتصادية في وجه التحديات الخارجية والضغوط الدولية، لاسيما أن الاعتماد على المساعدات الخارجية قد تراجع نسبيًا، لكن هذه الخطوة لم تخلُ من مخاطرها، فتقلص الدعم الدولي للأردن، في زمن يشهد تزايداً في الحاجات بسبب اللاجئين، يُعد تحديًا للسياسة الوطنية في حماية مواطنيها وضيوفها على حد سواء.

لا شك أن الأردن قد أظهر قدرة لا يستهان بها على حماية نظامه النقدي وإدارة سياسته النقدية بحنكة، مستفيدًا من دروس الماضي. وبالرغم من هذه الجهود المضنية، لا يزال الطريق طويلاً أمام الأردن ليصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي الكامل والاستقلالية الاقتصادية التي ينشدها، ولكن، مع الإصرار والعزم الذي أظهره هذا الشعب بدعم من قيادته، يبقى الأمل قائمًا في أن يتحول هذا البلد إلى مثال يُحتذى به في التغلب على الأزمات بروح من الإبداع والتجديد.

الأردن يستحق الإشادة، فهذه الروح التي ينتهجها، والتي تعكس التزامًا لا يلين بالتحديث الاقتصادي والاجتماعي، وإنها ليست مجرد تجاوب مع الأزمات، بل هي عملية بناء مستدامة تسعى لإعادة تشكيل مستقبل البلاد على أسس متينة من الابتكار والاستقلالية، ومع التركيز على تعزيز الصناعات وزيادة الصادرات، يبرز الأردن كنموذج للصمود والتجديد في منطقة تتسم بالتقلبات والتحديات.

إلا أن الواقع يفرض علينا التساؤل: هل تكفي هذه الجهود لضمان مستقبل مستقر ومزدهر للأردن؟ الواقع أن هناك حاجة ملحة لإعادة تقييم الإستراتيجيات الاقتصادية وتحديثها بما يتوافق مع المعايير العالمية والتحديات المعاصرة، ويجب ألا نرضى بالتقدم الحالي كنهاية المطاف، بل ينبغي أن نسعى دومًا للمزيد من التحسينات والابتكارات التي تتجاوز الإجراءات التقليدية. ومن الضروري التأكيد على أن الاستقلالية الاقتصادية لا تعني العزلة، بل تعني بناء اقتصاد قوي قادر على المنافسة العالمية وتحقيق التكامل الاقتصادي الفعال مع الاقتصادات الأخرى، ويجب على الأردن أن يستمر في استغلال كل فرصة متاحة لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي، مع التركيز على تنمية القدرات الذاتية والاعتماد على الابتكار كمحرك أساسي للنمو.

وبالنهاية، لا يسعنا إلا أن نعترف بأن الطريق الذي يسلكه الأردن في بناء اقتصاده وتعزيز منعته يستحق التقدير والاحترام، وعلى الرغم من أن الصعوبات كثيرة والتحديات جسيمة، فإن الأردن يبقى مثالًا على أن الإرادة والتصميم يمكن أن تولد من الأزمات فرصًا لا تقدر بثمن.