كيف يضمن الإسرائيليون عدم تكرار هجوم السابع من تشرين الأول؟

د. صلاح جرّار

الحجّة التي يتذرّع بها الإسرائيليون وداعموهم في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في مواصلة عدوانهم الإجرامي على غزّة هي رغبتهم في ضمان عدم تكرار الهجوم الذي قامت به 'حماس' في السابع من تشرين الأوّل الماضي، وهي حجّة لا يكفّون عن تردادها في كلّ خطاباتهم وتصريحاتهم ومؤتمراتهم الصحفية ويحاولون من خلالها إقناع العالم بحقّ (إسرائيل) في الدفاع عن نفسها على هذه الصورة الدمويّة البشعة.

 

إنّ هذه الحجّة لا تعدو أن تكون ذريعة للولوغ في الدم الفلسطيني والمبالغة في الانتقام إلى أقصى حدّ ممكن وتحقيق الأهداف والمخططات الصهيونية والغربية الخبيثة في الاستيلاء على الأرض وتهجير أهلها ونهب ثرواتها ومقدّراتها.

 

ولو كان الهدف الذي يسعى إليه هؤلاء المجرمون هو ضمان عدم تكرار عمليات المقاومة فإن الوسيلة التي يتبعها الصهاينة لتحقيق هذا الهدف هي وسيلة غير مناسبة على الإطلاق، بل إنّ لها تأثيراً عكسيّاً لأنها تزيد من احتمالات تكرار هجمات 'المقاومة' بل ومضاعفتها، فإذا كان هجوم السابع من تشرين الأول، وهو ما عرف بعملية طوفان الأقصى، قد حقّق نجاحاً غير مسبوق فإنّ الهجوم اللاحق للمقاومة سوف يحقّق نجاحاً أكثر، وسيتكرر مرّات عديدة لأن دوافعه ستكون أقوى من دوافع الهجوم السابق، إذ لا يمكن لأهل غزّة ولا لأهل فلسطين كافّة أينما كانوا أن ينسوْا ما يقترفه الصهاينة من مجازر ومحارق ومذابح وإبادة وتدمير بحق أبنائهم وأهاليهم، وهي أمورٌ لا تُنسى أبداً وتشكل وقوداً لثورة عارمة إن شاء الله تعالى، وإن من الغباء المطلق والجهل السياسي والتاريخي المطبق أن يعتقد المجرمون الصهاينة أنّ ما يرتكبونه من الجرائم والفظاعات سوف يحقق لهم الأمن والسلامة ويحول بينهم وبين مصيرهم المحتوم.

 

ولو كان لديهم ذرّةٌ واحدةٌ من العقل لسلكوا طرقاً أخرى لضمان سلامتهم وضمان عدم تكرار طوفان الأقصى، وهي طرق يعرفها الحكماء والعقلاء، أهمّها أن يعيد المحتلّون للفلسطينيين حقوقهم كاملةً وأن يعوّضوهم عن كلّ خسارةٍ لحقتهم منذ بداية الاحتلال إلى اليوم، وأن يسلّموا إليهم جميع من تلطّخت أيديهم بالدم الفلسطيني لمحاكمتهم وإيقاع العقوية التي يستحقها كلّ واحد منهم.

 

وكلّما تأخّر الاحتلال الصهيوني أو ماطل في تحقيق هذه المطالب كلّما ازدادت فرص تكرار عملية طوفان الأقصى وبصورة أكثر نجاحاً وتخطيطاً ودقّة ومباغتة، وإذا أصرّ الصهاينة على عنادهم وغرورهم واعتدادهم بقوّتهم وأسلحتهم وطائراتهم وما يتلقّونه من دعم غربيّ، فإنّهم سوف يحصدون مزيداً من الصفعات ويخسرون كلّ أملٍ لهم بالأمن والسلامة والاستقرار، وسوف يلاحقهم العار والسقوط حتى هزيمتهم وزوالهم عن أرض فلسطين.

 

إنّ القوّة العاتية التي يستند إليها الصهاينة في عنادهم وابتعادهم عن المنطق والحكمة في عدوانهم الغاشم على غزة والضفّة الغربية لن تكفل لهم نجاتهم من الانتقام القادم لا محالة ومن سوء العاقبة، حتّى لو تمادوا في القتل والتدمير والتهجير والإحراق والتجويع والتعطيش والحرمان من الدواء وهدم المنازل والأحياء وتجريف الشوارع وقتل الأطفال واقتلاع الأشجار والإعدامات الميدانية والاعتقالات، ولو زرعوا دبابة عند كلّ منزل وقنّاصاً عند رأس كل مواطن في فلسطين وطائرة مقاتلة فوق كلّ خيمة لاجئ ومسيّرة فوق كلّ مفترق، لأنّهم كلّما أمعنوا في إجرامهم وبقائهم على أرض فلسطين كلّما زادوا من إصرار أهل فلسطين على الانتقام والأخذ بالثأر.

 

إنّ استخدام الجيش الصهيوني للقوّة بهذه الصورة الإجرامية المتوحّشة قد تنجح في الحدّ من بعض عمليات المقاومة، ولكنه نجاح مؤقت ومحدود سوف يتبعه على مدى ليس بعيداً مقاومة نوعية وذات تأثير بالغ على الكيان، ولو أنّ هؤلاء الصهاينة منذ اليوم الأوّل للصفعة المهينة والمذلّة التي تلقّوها في عملية طوفان الأقصى، لو أنهم قبلوا بتبادل الأسرى والمعتقلين ورفع الحصار الذي يفرضونه على قطاع غزّة والقدس الشريف وسائر المدن الفلسطينية لربما نجحوا من خلال ذلك في تحقيق شيء من حلمهم بعدم تكرار عملية طوفان الأقصى، إلاّ أنّهم بعنادهم وغرورهم واستكبارهم وبما يملكونه من الأسلحة والدعم الغربي أبوْا إلاّ مواصلة احتلالهم وعدوانهم وممارساتهم النازيّة الإجرامية، وهم بذلك لا يمكنهم أن يحققوا ما يتطلّعون إليه من الشعور بالأمن والاستقرار وعدم تكرار العمليات النوعية للمقاومة، بل يزيدون من دافعية المقاومة وعزمها وإرادتها وإصرارها على إزالة هذا الخطر الاحتلالي بكلّ الوسائل الممكنة.

 

وإذا شاء هؤلاء الصهاينة السلامة والأمن والنجاة فما عليهم إلاّ أن يقرأوا التاريخ الفلسطيني وأن يتعظوا من أحداثه الغابرة التي حكمت بزوال كلّ محتلّ مهما طال عمره أو قصر.

 

salahjarrar@hotmail.com