قراءة في تشكل الذهنية والخطاب لدى الإخوان المسلمين
سامح المحاريق
في ضوء المراجعة الذاتية لجماعة الإخوان المسلمين المصرية توجد حالة من الاعتراف بوجود تقصير في استيعاب قيادات الحركة وكوادرها للعلوم الإنسانية، فالحركة تقدمت في كليات الطب والهندسة والعلوم في الجامعات المصرية، وكثير من قياداتها من خريجي هذه الكليات تحديداً، بما جعلها حركة تملك الكثير من الأطراف الفاعلة، وتؤدي وظيفياً بصورة مثيرة للإعجاب، ولكنها في الوقت نفسه تفتقد لعاملين مهمين، الأول، العقل الرؤيوي الذي يمكن أن يفهم تفاعلات الحداثة، وهو ما أنتج حالة من التقادم لخطاب الحركة أمام المستجدات المتسارعة في العقدين الأخيرين، والثاني، الانفصال عن واقع المجتمعات والتحديات الجزئية المتعلقة بإداراة احتياجاته، فالنموذج الإخواني (ماضوي) بمعنى أنه يعمل على تمهيد الظروف الخاصة باستعادة (صورة) لمجتمع مثالي، ولا يقدم مثل الشيوعية نفسها، أي تصور لمسار الأحداث بعد تحقق ذلك المجتمع، ولا يتوقفون كثيراً عن ملامح (الشرط الإنساني) التي شكلت أصلاً حركة التاريخ في الماضي.
يشير الباحث المصري عماد عبد الحافظ إلى حقيقة أن 90% من قيادات حزب الحرية والعدالة الذي تمكن من الوصول بمرشحه الدكتور محمد مرسي إلى منصب الرئاسة كانوا من خريجي كلية الطب والهندسة، ويتابع، أن توجهاً عاماً وهجرة جماعية لكوادر الإخوان تجاه دراسة العلوم الإنسانية أًصبح واقعاً يمكن تلمسه بعد الانتكاسة التي حدثت وانتهاء تجربة الحكم القصيرة.
لم يقدم مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا نصوصاً متماسكة يمكن أن تبلور فكراً للجماعة، ولكن مجموعة من الخطابات والمقالات التي كانت تؤشر لمواطن الخلل من غير أن تقدم مشروعاً بديلاً، ولذلك كانت الكوادر من الجيل الثاني للجماعة، مكشوفة بصورة مؤسفة لخطاب وضعه (سيد قطب) القادم من عالم النقد الأدبي، ولم تتمكن الجماعة حتى من الوصول إلى مرحلة الحوار الداخلي الذي تبنته الجماعات السلفية التي وجدت تراث التباين الفقهي وحواراته وجدلياته ينجدها في مواقف كثيرة، ويورطها في بعض الأحيان ولدى بعض الأجنحة، ولكنه كان يكسبها بعداً حيوياً مقابل حالة التعلق بالشعارات التي مارستها الجماعة، وإصرارها على توظيف الدين بوصفه رافعة لطموحها السياسي.
المجتمع بطريقة أو بأخرى ينتج السلطة التي تحكمه، والمتنافسون السياسيون من يضعون للمجتمع تصورات غير حقيقية لهذه الحالة، بمعنى أنهم يضفون على الواقع تصوراتهم المثالية من أجل نقد الواقع الذين يعتبرون شركاء في تشكيله من الأساس، نقد يستهدف التمكن من السلطة أو المشاركة في السلطة.
من يتابع الجلسات النيابية في أكثر من بلد عربي، سيجد أنها تقدم نفس السلوكيات التي تحدث في الجلسات الموسعة على هامش المناسبات الاجتماعية في المدن والقرى، ومن يحاجج بالديمقراطية بوصفها حلاً فورياً وكلياً وجذرياً، فيكفيه أن يتخيل وصول بعض القيادات الاجتماعية أو الحزبية لنفس المقاعد البرلمانية، فما يجري على مستوى البنية الفوقية للمجتمع هو بطبيعة الحال ترجمة لما يحدث في القواعد العريضة في مختلف البنى الاجتماعية.
المشكلة في العلوم الإنسانية أنها متسعة ومركبة ومعقدة ومتماشية مع فكرة التناقض الإنساني نفسها، ويعتقد كثيرون أنهم يحيطون بها لمجرد أنهم وقفوا على بعض المبادئ العامة، وكان الرئيس جمال عبد الناصر الذي يحسب له التوسع في الوصول بخدمات التعليم إلى معظم المصريين، يعتقد أنه يمتلك رؤية شخصية في العلوم الإنسانية من قراءات بسيطة وتأسيسية، ولكنه كان يدرك أنه لا يفهم في الهندسة أو الطب أو العلوم وبالتالي، كان يعتبر الاستثمار الحقيقي في هذه المجالات بصورة حصرية، كما أن حاجة المجتمع في مرحلة تأسيس البنية التحتية المادية وضعت الفرص لدى المختصين في العلوم الطبيعية، واكتفت بشعور الأستذة الذي فرضه البعض بصورة ذاتية مثل عباس محمود العقاد الذي كان يشكل بتأثيره وشعبيته عقدة لدى سيد قطب، وكان كلاهما للأسف غير مؤهلين للحديث في العلوم الإنسانية بالمعنى العميق.
مناسبة الحديث، هو سطوة اللا – رؤية على جماعات متأثرة بالإخوان المسلمين سواء متصلة أو غير متصلة تنظيمياً، والاكتفاء بالفعل الذي يعتبر في حقيقته مجرد رد – فعل، وتجريداً للواقع من معطياته المركبة ليتسق مع مقولاتهم الشعاراتية، وفقط، حركت الأزمة التي حدثت مع التنظيم في مصر جيلاً جديداً من القيادات والكوادر ليعودوا للالتفات من جديد للعلوم الإنسانية بوصفها المدخل المناسب لتفهم المجتمع وديناميكياته واحتياجاته، أما كثيرون آخرون، فيبحثون عن أزمة ربما لن يتحملوا وحدهم تكلفتها.