إسرائيل تحشد لمعركة رفح

د. محمد المومني

يستمر نتنياهو بحشد التأييد ومقاومة الضغوط بشأن معركة رفح. هو يعتبر هذه المعركة مفصلية، من دونها تكون حماس قد كسبت الحرب وإسرائيل خسرتها، فيما يعتبر العالم أن هذه الحرب سوف ينتج عنها كارثة إنسانية بشرية بسبب الكم الهائل من البشر الذين تجمعوا في رفح طلبا للأمن وهروبا من القصف في شمال ووسط غزة. لا تختلف أميركا مع إسرائيل على الحرب، بل على التوقعات أن العالم لن يحتمل تكلفتها الإنسانية الباهظة، لا سيما بعد هذا الكم الكبير من القتل والظلم الذي أثار حفيظة العالم وأكسب الشعب الفلسطيني تعاطفا دوليا عظيما. العالم تعاطف مع إنسانية الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير وفي الكرامة الوطنية ولا يعرف أو يتدخل بفصائلية من أي نوع.


في خضم التحضير لمجزرة متوقعة في رفح الجريحة وشعبها المظلوم، تجري اجتماعات مكثفة على المستوى الفني بين الإسرائيليين والأميركيين على طريقة إدارة المعركة بطريقة تتجنب كارثة إنسانية وقتلا للأبرياء. من القليل الذي يخرج للإعلام عن هذه الاجتماعات، تبدو ضرورة إخراج المدنيين من النازحين وعودتهم إلى ديارهم أمرا أساسيا ومفصليا. رفح الآن أصبحت عمليا كامل قطاع غزة؛ حيث يتجمع فيها الغزيون، وأي عملية عسكرية هناك سوف تودي بحياة الأبرياء بطريقة مضاعفة عما شهدناه بالسباق. أميركا تضغط سياسيا وعسكريا ودبلوماسيا على إسرائيل لتعي خطورة عملية رفح، وأنه لا إسرائيل ولا أميركا سوف تتحمل التكلفة الدولية على المذابح المتوقعة للأبرياء هناك، ولذا وجب النظر بعين ساسية وإعلامية لما يحدث وليس فقط من منظور عسكري بحت.

في الأثناء، ما تزال مفاوضات الرهائن بوساطة قطرية مصرية أميركية متعثرة، ولا يبدو أن أملا يلوح بالأفق، والتوقعات أن ما بعد رمضان سوف يشهد سخونة سياسية، أولا على صعيد وجود قيادة حماس السياسية في قطر، وثانيا على صعيد الضغوط المتنامية على حكومة نتنياهو لأنها لا تحقق نتائج بإعادة الرهائن، وثالثا على صعيد الدول العربية التي تحاول حماس إثارة المتعاطفين فيها لتظهر قوتها بالشارع العربي والإسلامي، وهذه الدول بالطبع لن تسمح بذلك وستقاومه سياسيا وأمنيا. كل هذا يحدث في خضم حالة من الترقب تحاول كل الأطراف فيها الحفاظ على مصالحها.
المقلق بالأمر، أن كل هذا التفاعل العسكري والتفاوضي أصبح حبيس اللحظة، والتفاصيل يغيب عنها أي بعد استراتيجي. والبعد الاستراتيجي هنا ضرورة التفكير فيما بعد المعركة الدائرة حاليا في غزة وضرورة العمل على إيجاد عملية سياسية ذات مصداقية تفضي لحل الدولتين، لأن الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس هي ليست فقط جوهر المشروع الوطني الفلسطيني، بل أساس الأمن والاستقرار لأنه من دونها ستبقى الفوضى الميدانية وغياب المؤسسية السياسية والأمنية، والأهم، أن من دونها سيبقى الشعور بالظلم من قبل الفلسطينيين، وهذا الشعور يولد الحقد والعنف.