الأردن والثقافة الاستراتيجية

 

د فلاح سمّور الجبور

في ظل ما يشهده العالم  من أزمات متلاحقة  تزعزع أمنه واستقراره وتهدد سلمه المجتمعي والتي لمنطقتنا العربية الجزء الأكبر منها  تبرز الحاجة إلى تطوير منظومة قيم ومعتقدات يُلجأ اليها في الأوقات الحرجة التي يتعرض لها الوطن، وأثبتت العقود الأخيرة أن ما يواجه المجتمعات من تهديدات من الصعوبة بمكان مجابهتها بالطرق التقليدية بل لا بد من تطوير نظام استباقي يستوعب الأزمات ويستجيب لمجموعة واسعة من التهديدات ويتعافى منها، وهذا يستوجب أن  يعرف كل الفاعلين على الساحة الوطنية أفرادًا ومؤسسات  أين يقف كل منهم وما هو دوره وما هي حدوده أثناء الأوقات الحرجة

إن موقع الأردن الجيوسياسي  قد فرض عليه التعرض لأزمات وهذه الأزمات متناسلة واختلط فيها المحلي بالإقليمي والدولي، وقيادته ومجتمعه العروبي القومي وارتباطه بقضايا أمته العربية قد جعله أكثر عرضة واشتباكًا مع هذه الأزمات، فكلما ظننا أننا في هذا الجزء من العالم قد تجاوزنا أزمة الا وابتلينا بأخرى أشد وطئًا وأكثر تعقيدًا من سابقتها، ولا بد من العمل على تخفيف حدة تأثير هذه الأزمات على معنويات وصمود وتماسك المجتمع، وتقليل تبعاتها على الواقع الاقتصادي والسياسي لكي نمنع تشكل مزاج سلبي ونقلل من التفكير اللاعقلاني والحدي، ونحاصر الشائعات وفوضى التفسيرات لكل حدث ، وبما أن المشروع الغربي والمتمثل بالكيان الصهيوني قائما؛ هنا تتعاظم الحاجة لتطوير ثقافة استراتيجية تحكم تفكير وتحرك السياسيين والمجتمع معًا.

إن وظيفة الثقافة الاستراتيجية أنها تحدد الخيارات المقبولة وتلك المرفوضة للقادة والمجتمع على حد سواء، وتُبنى مثل هذه الاستراتيجية من خلال التنشئة الاجتماعية ومن خلال مؤسسات الدولة المختلفة ومنظمات المجتمع المدني كذلك، ويمكن بناءها في الظروف العادية والاستثنائية وتملك الحكومات تطويرها في ضوء ما يستجد من أحداث أو من خلال استشراف المستقبل، وبمرور الوقت تتعمق هذه الثقافة وتترسخ في العقل الجمعي وتصبح سلوكا تنتهجه الحكومات والشعب عند اندلاع أي أزمة مما يقلل من نقاط التصادم والجدل على الثوابت في إطار الفعل الوطني،  فلا نريد لأنفسنا أن نبالغ في رد الفعل ولا أن نركن للحذر المفرط. قال "جون وينثروب ": "أنهم سيبنون مدينة فوق التل تلهم العالم" فلما لا نفكر بفعل ذلك في هذا الإقليم البائس؟.