تلك الخطايا المغلفة بوهم التقديس

مالك العثامنة

قبل أيام، عدت من جديد لقراءة السيرة الذاتية لرئيس وزراء الأردن الأسبق المرحوم مضر بدران، والتي أصدرها قبل سنوات بكتاب اسمه "القرار".

وفي كثير من الأحداث والروايات التي يوردها الراحل وهو من الشخصيات السياسية الرئيسة في مرحلة التأسيس المئوي الأول للدولة، هناك تقاطعات في تلك الأحداث والروايات مع ما أورده الراحل عدنان أبوعودة في توثيقه لليوميات بجزئها الثاني الذي عنونه بعنوان "المستدرك".

 

 

في مذكراته التي كانت صياغتها قريبة جدا من شخصية "أبو عماد" رحمه الله بجملها الحاسمة والبعيدة عن تكلف البلاغة والزوائد اللفظية، استوقفتني تلك المرحلة التي يتحدث فيها رئيس وزراء الأردن الأسبق عن إدارة الأردن "لضفته الغربية" أيامها، والحديث في حكومة الراحل وصفي التل أول سبعينيات القرن الماضي حين كان الأردن يدير فعليا وعلى أرض الواقع شؤون الأرض المحتلة حتى عام 1988 حين قرر الملك الراحل الحسين فك الارتباط الإداري والقانوني مع الضفة.

كانت عملية إدارة الضفة الغربية "المحتلة" تحتاج مأسسة إدارية حكومية منظمة بيروقراطيا وسياسيا، وفي كتابه يقول الراحل مضر بدران الذي تسلم بعد تقاعده من المخابرات رئاسة المكتب التنفيذي لشؤون الأرض المحتلة: (.. اخترت بناية مستقلة، وتسلم مندوبو الوزارات والمؤسسات الرسمية مهمة إدارة مكتب شؤون الضفة الغربية. كان معي طاهر المصري، والذي جاء مندوبا عن البنك المركزي حيث كان يعمل، و"شوكت محمود" أمين عام إدارة شؤون الأرض المحتلة، وتوليت رئاسة المكتب).

ويضيف رئيس وزراء الأردن في سرديته لتلك المرحلة: (.. انتزعت موافقة الحكومة على أن تكون موازنة إدارة الشؤون المحتلة 360 الف دينار، فاعترض وزير الشؤون الاجتماعية معللا ذلك بأن موازنة وزارته في الضفة الشرقية أقل من ذلك، فقال له الحسين رحمه الله "الضفة الشرقية ليست محتلة". وأمر وصفي التل ذلك الوزير في الاجتماع نفسه أن يسكت.

ويقول بدران الذي استلم إدارة شؤون الضفة الغربية مطلع السبعينيات: (.. بعد أن حصلت على الموازنة التي أريدها أنشأت بها جمعيات خيرية ومصانع للصناعات الخفيفة والمتوسطة وكان كل همي أن لا يعتمد الفلسطينيون على بضائع الإسرائيليين، وأن لا يدعموا بأي شكل الاقتصاد الإسرائيلي).

هذا المكتب صار وزارة شؤون الأرض المحتلة فيما بعد، وأساسه كان مبنيا على تلك الروح الإدارية لحماية الضفة وأهلها.

ما حدث بعد ذلك من تاريخ، لا يتسع له المقال لكنه قائم على منازعة شرسة من "منظمة التحرير" لتكون ممثلا وحيدا عن الشعب الفلسطيني، وقيادته وإدارته إلى أن انتهينا بأوسلو وتفريعاتها وسلطة حكم لا تستطيع فعليا إدارة حارة صغيرة في الضفة ورموزها مندمجة مع الاقتصاد الإسرائيلي بالشراكات المشبوهة.

واليوم.. ما تزال أدبيات منظمة التحرير ممزوجة بالخطاب الديني الذي يتوهمه الجميع "مقدسا" تحكم الخطاب الغوغائي حتى في عصر الإنترنت، والاتهامات بالتقصير للدولة الأردنية مسفوحة بالأطنان، والمظاهرات الصدامية في الشارع الأردني ليست أكثر من دفق غاضب ممزوج بالجهل.

قلناها سابقا ونكررها: الحل هو دولة القانون والمؤسسات والمواطنة الحقيقية.

وقد قيل قديما: غلف الخطيئة بغطاء من الذهب او العبارات المقدسة لتتكسر رماح العدالة عليها.