التصدي لمهمة "التشريع" ليس كما يجب!

د. خليف الخوالدة

بداية أود الإشارة إلى أن الدستور الأردني قد ضمن حق الأردنيين في الانتساب للأحزاب والمشاركة في الانتخابات النيابية والترشح لها سواء من خلال الأحزاب أو من دونها. وهذا يعزز عدم اشتراط الانتساب للاحزاب للترشح لأي مقاعد نيابية. وعليه، تستطيع الأحزاب التي تعتد بنفسها انتزاع مقاعدها ما دام متاح لها الترشح على مقاعد ضمن الدائرة العامة والدوائر المحلية. ومن وجهة نظري، هذا ينفي مبرر تخصيص مقاعد حصرا لها سيما وأننا ما زلنا نشد تواضع كبير في أعداد المنتسبين لها.

 

 

اطلعت على القانون المعدل لقانون الانتخاب لمجلس النواب الذي صدر في الجريدة الرسمية يوم الأحد الماضي وهذا قادني إلى الإطلاع على مواد قانون الانتخاب الأصلي الذي صدر في عام 2022. وقد توصلت إلى جملة ملاحظات بعد قراءة تحليلية سريعة لمواد القانون.

 

عرف قانون الانتخاب لمجلس النواب، في المادة 2 منه، المترشح على أنه الناخب الذي تم قبول طلب ترشحه للانتخابات النيابية وفقا لأحكام الدستور وقانون الانتخاب لمجلس النواب. كما عرف القائمة الحزبية على أنها القائمة المشكلة من حزب أو تحالف حزبي لغايات المشاركة في الانتخابات النيابية. في حين عرف القائمة المحلية على أنها القائمة المشكلة من عدد من المترشحين في الدائرة الانتخابية المحلية لغايات المشاركة في الانتخابات النيابية. وعرف القائمة على أنها القائمة الحزبية والقائمة المحلية.

يُلاحظ أن القانون قد فرّق في التعريف بين القائمة الحزبية والقائمة المحلية. ويُلاحظ أيضا أن القانون اتاح للحزبيين الترشح بصفتهم الشخصية ضمن قوائم محلية. ولهذا، أرى لو استخدم القانون تعريفا للقائمة العامة وتعريفا آخرا للقائمة المحلية وضمّن تعريف القائمة العامة ما يدل على أنها تتشكل من حزب أو تحالف حزبي لكان أفضلا من التعريفات المستخدمة حاليا في القانون والتي توحي بعكس ما قصد المشرع.

لا تُشير النصوص صراحة إلى عدم جواز ترشيح أعضاء غير حزبيين ضمن القوائم التي يشكلها حزب أو تحالف حزبي حيث عُرفت القائمة الحزبية على أنها القائمة المشكلة من حزب أو تحالف حزبي دون النص صراحة على أن يكون أعضاء القائمة المشكلة هم من أعضاء الحزب أو من أعضاء الأحزاب المشاركة في الانتخابات النابية ضمن تحالف حزبي.

وما يدعم طرحي هذا، أن تفاصيل تشكّل القوائم الحزبية الواردة في الفقرة ج من المادة 8 من قانون الانتخاب لمجلس النواب لا تُشير إلى أن يكون المرشح عضوا في الحزب. أما الفقرة د من المادة 13 من القانون والتي تنص على “لا يجوز لأي عضو من أعضاء الحزب أن يترشح في القائمة الحزبية إلا إذا مر على انتسابه لذلك الحزب مدة لا تقل عن ستة أشهر على الأقل قبل يوم الاقتراع” قد وضعت قيدا على المرشح العضو لكنها لا تعني بالضرورة أن الترشح ضمن القوائم المشكلة من الحزب أو تحالف حزبي مقصورة على أعضاء ذلك الحزب أو أعضاء تلك الأحزاب المشاركة بالانتخابات النيابية ضمن تحالف حزبي.

لا تشير المادة 9 من القانون على جواز أن تشارك القائمة المحلية في الانتخابات النيابية بصفتها قائمة حزبية سيما وأن المادة 2 من القانون فرقت بينهما في المعنى. وبالنتيجة هل يتم احتساب أعداد الفائزين الحزبيين بمقاعد القوائم المحلية ضمن حسابات الأغلبية النيابية الحزبية وما يترتب عليها من أمور؟ وهل يتم احتساب أعداد الفائزين بمقاعد القوائم المحلية من الداعمين والمؤازرين لتوجه حزبي معين دون أن يكون أعضاء فيه ولكنهم قد يبدون رغبتهم في الإنضمان إليه بعد الفوز بعضوية مجلس النواب لمصلحة معينة ضمن حسابات الأغلبية النيابية الحزبية وما يترتب على ذلك من أمور؟  

ينص البند 1 من الفقرة أ من المادة 49 من القانون على “أن تتجاوز القائمة المحلية الفائزة نسبة الحسم “العتبة” البالغة 7 % من مجموع عدد المقترعين في الدائرة. وينص البند 2 من نفس الفقرة على “تحصل كل قائمة من القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم “العتبة” على مقاعد بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد أصوات القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم “العتبة” في الدائرة الانتخابية المحلية إلى عدد المقاعد المخصص للمسار التنافسي فيها”.

وهنا اود القول أن نص البند 2 لا يحقق المقصود وغير قابل للتفسير رياضيا بل الأصح استخدام النص التالي “تحصل كل قائمة من القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم “العتبة” على مقاعد من عدد المقاعد المخصصة للمسار التنافسي بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد أصوات القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم “العتبة” في الدائرة الانتخابية المحلية”.

ينص البند 4 من نفس الفقرة “على الرغم مما ورد في البند 1 من هذه الفقرة، إذا تعذر ملء المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية المحلية بسبب عدم وصول القوائم المترشحة لنسبة الحسم “العتبة”، تقوم الهيئة بتخفيض نسبة الحسم “العتبة” بمقدار 1 % في كل مرة إلى أن يتم ملء المقاعد المخصصة للدائرة من القوائم التي حصلت على تلك النسبة”.

النص الحرفي لهذا البند لا يعني تخفيض نسبة الحسم البالغة 7 % بمقدار 1 % لتصبح 6 % في المرة الأولى و 5 % في المرة الثانية وهكذا، بل يعني تخفيض نسبة الحسم البالغة 7 % بمقدار 1 % لتصبح 6.93 % وفي المرة الثانية 6.8607 % وهكذا. أي أن النص لا يحقق المقصود وكان الأصح استخدام النص التالي “تخفيض نسبة الحسم البالغة 7 % لتصبح 6 % في المرة الأولى و 5 % في المرة الثانية وهكذا”.  

ينص البند 1 من الفقرة أ من المادة 50 من القانون على “أن تتجاوز القائمة الحزبية نسبة الحسم “العتبة” البالغة

2.5 % من مجموع عدد المقترعين في الدائرة الانتخابية العامة. وينص البند 2 من نفس الفقرة على “تحصل كل قائمة من القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم “العتبة” على مقاعد في الدائرة الانتخابية العامة بنسبة عدد الأصوات التي حصلت عليها من مجموع عدد أصوات القوائم التي تجاوزت نسبة الحسم “العتبة” وإذا لم تصل ثلاث قوائم حزبية على الأقل نسبة الحسم “العتبة” تقوم الهيئة بتخفيض نسبة الحسم “العتبة” بمقدار نصف بالمائة على التوالي حتى يصل عدد القوائم الحزبية الفائزة إلى ثلاث قوائم كحد أدنى.

النص الحرفي لهذا البند لا يعني تخفيض نسبة الحسم البالغة 2.5 % بمقدار نصف بالمائة على التوالي لتصبح 2 % في المرة الأولى و 1.5 % في المرة الثانية، بل يعني تخفيض نسبة الحسم البالغة 2.5 % بمقدار نصف بالمائة على التوالي لتصبح 2.375 % في المرة الأولى

 و2.225625 % في المرة الثانية وهكذا. أي أن النص لا يحقق المقصود وكان الأصح استخدام النص التالي “تخفيض نسبة الحسم البالغة 2.5 % لتصبح 2 % في المرة الأولى و 1.5 % في المرة الثانية وهكذا”.

خلاصة هذا التحليل هو التوصل إلى نتيجة مفادها عدم التصدي لمهمة التشريع بالمستوى المطلوب ولا كما يجب. ولا ننسى أن هذه الصياغات عرضت على ثلاثة مجالس من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب ومنه إلى مجلس الأعيان وتم مناقشتها مطولا قبل ذلك في اللجان المنبثقة عن هذه المجالس.

ماذا عن الدقة والحصافة في صياغة وإقرار التشريعات والتي غيابها بلا أدنى شك يعيق بشكل كبير تطبيق هذه النصوص من قبل الجهات التنفيذية مما ينعكس بالتالي سلبا على صحة وسرعة التنفيذ؟ وهذا الأثر يمتد تلقائيا إلى أعمال السلطة القضائية من حيث صعوبة تفسير وتطبيق النصوص وبالتالي سرعة البت والفصل في الدعاوى وكذلك معدل نقض الأحكام. وبالنتيجة، ضعف التشريع ينعكس سلبا على عمل الجهات التنفيذية والقضائية.

خلاصة القول مرة أخرى، عمل السلطات والمؤسسات المنبثقة عنها عمل متكامل وبالتالي أي خلل في أي محطة أو حلقة منها ينعكس على بقية المحطات والحلقات وأي ضعف في أي منها يضعف

 الأداء الوطني العام.