الكرامة.. غزة قراءة مختلفة
بلال حسن التل
من الحقائق التاريخية التي سرقت من الاردن بسبب ضعف اداءه الاعلامي، هي حقيقة ان الجيش العربي الأردني هو الجيش العربي الوحيد الذي انتصر على العصابات الصهيونية واخذ منها أسرى،وهو الجيش العربي الوحيد الذي حافظ على الاراضي التي انيط به الدفاع عنها في حرب عام1948.
اما الحقيقة التاريخية الثانية التي سرقت منه، ونسبت لغيره ولنفس السبب هي أن الجيش العربي الأردني، هو الذي أسس لعصر الانتصارات العربية، وانهى أسطورة الجيش الذي لايقهر، كان ذلك في حرب الكرامة، ذلك انه من الظلم المبين تسمية المواجهة التي جرت بين الجيش العربي الأردني يوم الحادي والعشرين من شهر اذار عام 1968، اي قبل ست وخمسين سنة بأنه معركة، لأن ماجرى في غور الاردن وليس في بلدة الكرامة فقط، كان حربا شاملة بكل ماتعنية كلمة الحرب من معاني ودلالات،ان من حيث القوات التي دفع بها المعتدي إلى ميدان الحرب والتي بلغت ثلاث فرق عسكرية ، من مختلف القوات والأسلحة البرية بالاضافة الى سلاحي الطيران والمظليين، ومن حيث طول الأرض التي جرت عليها الحرب،والتي شملت جزء طويلا من جبهة المواجهة مع العدو المحتل في اغوار الاردن، وان من حيث الأهداف التي وضعها العدو لهذه الحرب، وفي مقدمتها احتلال المرتفعات الاردنية المطلة على الأراضي المحتلة، باهميتها الاستراتيجية، وابعد من ذلك الى حيث كان ينوي وزير دفاع العدو موشية ديان عقد مؤتمره الصحفي، الذي تخيلت اوهامه انه قادر على عقده، خاب فئله.
تجئ الذكرى السادسة والستين لحرب الكرامة هذا العام ونحن نعيش مجريات الحرب على غزة، والتي يشنها نفس العدو الذي حاول ان يحتل جزء من ارض الاردن قبل ست وخمسين سنه، مما يؤكد ان أمتنا تواجه عدوا واحدا، كان ومازال وسيظل طامعا في التوسع على حسابنا واحتلال ارضنا من خلال ابقاء امتنا ضعيفة وممزقة. وهذا واحد من اهم اسباب تعاطف تضامن الاردنيين مع غزة، وسعيهم لمساعدتها ونصرتها.
وفي حرب الكرامة كما في الحرب على قطاع غزة ثبت ان العدو لايجيد الا لغة الغدر، واساليب الخسة، والانتقام من المدنيين، فمثلما لجاء الى هدم بيوت المدنيين في بلدة الكرامة قبل ست وخمسين، سنه هاهو الان يمارس منذ اشهر قتل المدنيين وهدم بيوتهم في قطاع غزة، وبنفس الذريعة وهي القضاء على المقاومة!
ومثلما فشل العدو في تحقيق أهدافه في حرب الكرامة، فسيفشل في تحقيق أهدافه في الحرب على قطاع غزة ولنفس الاسباب التي صنعت انتصارنا في حرب الكرامة، وأولها ان الاردنيين وفي مقدمتهم قواتهم المسلحة كانوا يتحرقون لاخذ الثأر مما جرى في حزيران 1967،لذلك احسن جيشنا الاستعداد والتخطيط، بما في ذلك رصد تحركات العدو من خلال احهزة استخباراتنا ومخابراتنا، وقد ظلت قواتنا المسلحة في حالة جهوزية كاملة ودائمة، مع حسن استخدام للإمكانيات وتوظيفها، كما ظهر ذلك واضحا جليا في حرب الكرامة يوم 21اذار سنة 1968، على ان الاهم من ذلك كله هو الروح المعنوية العالية التي تمتع بها المقاتل الأردني والتي سرت في عروق الاردنيين من خلف جيشهم صانع كرامتهم.
اسباب النصر التي تجمعت في حرب الكرامة تتوفر الآن في غزة، بدليل صمودها الاسطوري لكل هذه الشهور الطويلة من العدوان، وتكبيدها للعدو هذه الخسائر الفادحة، وتكبيد العدو خسائر فادحة هي نقطة تشابه مشتركة بين حرب الكرامة التي كبد فيها جيشنا العربي جيش العدو الاسرائيلي خلال ساعات مالم يخسره في حرب حزيران سنة 1967،في حالة غير مسبوقة، و كذلك الخسائر التي تلحق به في حربه على غزة في غير مسبوقة.
خلاصة القول ان ماجرى في حرب الكرامة ومايجري في قطاع غزة يؤكد اننا أمام عدو واحد طامع في ارضنا، وهو عدو لايحترم لا عقود ولا مواثيق ولا معاهدات، عدو لايفهم الا لغة واحدة هي لغة القوة القادرة على كسره، فلنأخذ باسباب هذه القوة ولنحافظ على جهوزيتنا،معتمدين على ذاتنا فقد حضنا حرب الكرامة وحدنا، ولنحرص على ان تظل روحنا المعنوية عالية، لانها تجعل ارتباطنا بوطننا اشد، والتضحية في سبيله أسهل، والحفاظ على استقلاله هدف لا نحيد عنه، وكل ذكرى لحرب الكرامة وانتم بكرامة