هذا ما يهمسون به في عمان

ماهر أبو طير 

لا توجد دولة بين كل الدول قادرة على عزل نفسها عن تأثيرات جوارها، والذين يعتقدون في الأردن أن بالإمكان بكل بساطة عزل الأردن عن تأثيرات أزمات الجوار واهمون.


مناسبة هذا الكلام أن هناك خلطاً في الدوافع بين فريقين، فريق قليل العدد، ويبحث عن دور لشخوصه، يقول بشكل مستتر إن علينا ألا نتأثر نهائيا بما يجري في فلسطين وغزة تحت عنوان يقول ما علاقتنا نحن هنا بحرب في بلد قريب، ولماذا تتراجع مؤشرات الحياة والاقتصاد وحيوية المجتمع الأردني، وفريق ثان يقول إن علينا أن نحافظ على الأردن ونخفف تأثيرات أزمات الجوار قدر الإمكان، وأن نساند الأهل في فلسطين، دون أن نسمح بتضرر الأردن، حتى يبقى البلد قويا لأهله وجواره، والفريق الثاني لديه رؤية منطقية مقبولة في كل الأحوال.

في المعالجات السياسية والإعلامية، تختلط الدوافع هنا بشكل متعمّد ويتم التشويش على الناس وإرباكهم بطريقة ساذجة، فالفريق الأول المستتر الغامض قد يخفي انعزالية وأنانية باطنية يلونها بعناوين ثانية ملتبسة تكاد تقول فليلاقوا مصيرهم لوحدهم ولنحمِ أنفسنا، فيما الفريق الثاني نواياه طيبة، لكن لا وصفة حل تفصيلية لديه تجعله يسترد الحياة في الأردن، دون أن يجرح أحد دوافعه أو يمس سمعته، أو يتهمه بإدارة الظهر لقطاع غزة.
ما يتوجب قوله صراحة هنا 3 حقائق، الأولى أن كل بلد في الدنيا يتأثر اضطرارا وإجبارا بأزمات الدول التي تجاوره، واذهبوا إلى كل دول العالم التي تعرضت لحروب أو صراعات عسكرية، وسنجد أن كل دول الجوار دفعت جزءا من أزمات هذه الدول، فالأمر ليس حكرا على الأردن، فكلفة الأزمة السورية مثلا توزعت على الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر، ووصلت كلفها إلى ألمانيا واليونان وقبرص وأستراليا وغيرها من دول، وهذا يعني من باب القياس أن كلف الأزمات لا تنحصر أبدا في بلد الأزمة وحيدا، بل تكون ممتدة إلى ما وراء البحار.
الحقيقة الثانية أن الأردن تأثر إيجابا وسلبا بكل دول جواره، فقد انتعش ذات سنين مع العراق وسورية سياسيا واقتصاديا، وتضرر من حروب البلدين ذات زمن آخر، وهذا طبيعي جدا، فالجوار دائما من مسربين "ذهاب وإياب" فيما فلسطين بقيت جزءا من الأمن السياسي الوطني الأردني، بسبب مهددات السياسات الإسرائيلية، وبقي الأردن قادرا على إدارة مصالحه الداخلية والدولية، كما بقي الأقرب إلى فلسطين، ومن الطبيعي اليوم أن يتأثر بما يجري في قطاع غزة.
الحقيقة الثالثة تقول إن تأثيرات الحرب الحالية من ناحية إستراتيجية بعد نهايتها، وما بعد نهايتها هو الأخطر، ستشمل كل دول المنطقة ولن تقف عند حدود قطاع غزة، وهذا يعني أن فكرة الانعزال والنأي بالنفس لدى الفريق الأول الذي تحدثت عنه مجرد استحالة أمام انفجار إقليمي شامل لن يستثني الأردن، لا اليوم، ولا غدا، ولن يستثني غيره من الدول، وهذا يفرض مقاربة مختلفة، وليس الدعوة إلى الانغلاق أو النأي بالنفس، لأنها أيضا مستحيلة وغير ممكنة عمليا ولا واقعيا، لاعتبارات داخلية لا يمكن إعادة تصنيعها في يوم وليلة، دون أن ندخل في تفاصيلها، ولطبيعة المخططات الإقليمية والدولية على المدى البعيد، والدعوة للنأي بالنفس لا تقال علنا في عمان، لكن يهمس بها البعض وينصحون بها من يجالسونهم.
ما يمكن فعله هنا، تحديد الإجابات ضمن خطة وطنية عميقة مختلفة، للكيفية التي سنحمي بها الأردن، أمام كل أزمات الجوار، ومهددات العلاقة مع إسرائيل، وهذه الكيفية يجب أن تشمل إجابات تفصيلية عن بنية الداخل الأردني، وأولوياته، ومصالحه، وطريقة إدارته، ومشاكله، وتركيبته السياسية، حتى لا تكون قصة الانشغال بقطاع غزة من جهة ثانية، سببا في إهمال ملف الداخل الأردني، إضافة إلى أن تعريف حرب قطاع غزة، يجب أن يكون باعتبارها حربا مباشرة على حدودنا وليس في بلد بعيد، نظرا للكلف الإستراتيجية لنتائج الحرب على الأردن وكل المنطقة، وهذه كلف، ليست بحاجة لشعارات، ولا تفيد معها دعوات النأي بالنفس، خصوصا، أن كل الأدلة تقول إننا من المستهدفات الإستراتيجية لمخططات خطيرة قريبة.
لا نختلف على الأردن أبدا، والالتفات إلى شؤونه أولوية أولى، وتمتين الأردن يكون بترتيب ملفاته الداخلية، بطريقة مختلفة، بدلا من الهروب نحو دعوات الانعزال.

لا توجد دولة بين كل الدول قادرة على عزل نفسها عن تأثيرات جوارها، والذين يعتقدون في الأردن أن بالإمكان بكل بساطة عزل الأردن عن تأثيرات أزمات الجوار واهمون.

 

 

مناسبة هذا الكلام أن هناك خلطاً في الدوافع بين فريقين، فريق قليل العدد، ويبحث عن دور لشخوصه، يقول بشكل مستتر إن علينا ألا نتأثر نهائيا بما يجري في فلسطين وغزة تحت عنوان يقول ما علاقتنا نحن هنا بحرب في بلد قريب، ولماذا تتراجع مؤشرات الحياة والاقتصاد وحيوية المجتمع الأردني، وفريق ثان يقول إن علينا أن نحافظ على الأردن ونخفف تأثيرات أزمات الجوار قدر الإمكان، وأن نساند الأهل في فلسطين، دون أن نسمح بتضرر الأردن، حتى يبقى البلد قويا لأهله وجواره، والفريق الثاني لديه رؤية منطقية مقبولة في كل الأحوال.

 

في المعالجات السياسية والإعلامية، تختلط الدوافع هنا بشكل متعمّد ويتم التشويش على الناس وإرباكهم بطريقة ساذجة، فالفريق الأول المستتر الغامض قد يخفي انعزالية وأنانية باطنية يلونها بعناوين ثانية ملتبسة تكاد تقول فليلاقوا مصيرهم لوحدهم ولنحمِ أنفسنا، فيما الفريق الثاني نواياه طيبة، لكن لا وصفة حل تفصيلية لديه تجعله يسترد الحياة في الأردن، دون أن يجرح أحد دوافعه أو يمس سمعته، أو يتهمه بإدارة الظهر لقطاع غزة.

ما يتوجب قوله صراحة هنا 3 حقائق، الأولى أن كل بلد في الدنيا يتأثر اضطرارا وإجبارا بأزمات الدول التي تجاوره، واذهبوا إلى كل دول العالم التي تعرضت لحروب أو صراعات عسكرية، وسنجد أن كل دول الجوار دفعت جزءا من أزمات هذه الدول، فالأمر ليس حكرا على الأردن، فكلفة الأزمة السورية مثلا توزعت على الأردن ولبنان وتركيا والعراق ومصر، ووصلت كلفها إلى ألمانيا واليونان وقبرص وأستراليا وغيرها من دول، وهذا يعني من باب القياس أن كلف الأزمات لا تنحصر أبدا في بلد الأزمة وحيدا، بل تكون ممتدة إلى ما وراء البحار.

الحقيقة الثانية أن الأردن تأثر إيجابا وسلبا بكل دول جواره، فقد انتعش ذات سنين مع العراق وسورية سياسيا واقتصاديا، وتضرر من حروب البلدين ذات زمن آخر، وهذا طبيعي جدا، فالجوار دائما من مسربين "ذهاب وإياب" فيما فلسطين بقيت جزءا من الأمن السياسي الوطني الأردني، بسبب مهددات السياسات الإسرائيلية، وبقي الأردن قادرا على إدارة مصالحه الداخلية والدولية، كما بقي الأقرب إلى فلسطين، ومن الطبيعي اليوم أن يتأثر بما يجري في قطاع غزة.

الحقيقة الثالثة تقول إن تأثيرات الحرب الحالية من ناحية إستراتيجية بعد نهايتها، وما بعد نهايتها هو الأخطر، ستشمل كل دول المنطقة ولن تقف عند حدود قطاع غزة، وهذا يعني أن فكرة الانعزال والنأي بالنفس لدى الفريق الأول الذي تحدثت عنه مجرد استحالة أمام انفجار إقليمي شامل لن يستثني الأردن، لا اليوم، ولا غدا، ولن يستثني غيره من الدول، وهذا يفرض مقاربة مختلفة، وليس الدعوة إلى الانغلاق أو النأي بالنفس، لأنها أيضا مستحيلة وغير ممكنة عمليا ولا واقعيا، لاعتبارات داخلية لا يمكن إعادة تصنيعها في يوم وليلة، دون أن ندخل في تفاصيلها، ولطبيعة المخططات الإقليمية والدولية على المدى البعيد، والدعوة للنأي بالنفس لا تقال علنا في عمان، لكن يهمس بها البعض وينصحون بها من يجالسونهم.

ما يمكن فعله هنا، تحديد الإجابات ضمن خطة وطنية عميقة مختلفة، للكيفية التي سنحمي بها الأردن، أمام كل أزمات الجوار، ومهددات العلاقة مع إسرائيل، وهذه الكيفية يجب أن تشمل إجابات تفصيلية عن بنية الداخل الأردني، وأولوياته، ومصالحه، وطريقة إدارته، ومشاكله، وتركيبته السياسية، حتى لا تكون قصة الانشغال بقطاع غزة من جهة ثانية، سببا في إهمال ملف الداخل الأردني، إضافة إلى أن تعريف حرب قطاع غزة، يجب أن يكون باعتبارها حربا مباشرة على حدودنا وليس في بلد بعيد، نظرا للكلف الإستراتيجية لنتائج الحرب على الأردن وكل المنطقة، وهذه كلف، ليست بحاجة لشعارات، ولا تفيد معها دعوات النأي بالنفس، خصوصا، أن كل الأدلة تقول إننا من المستهدفات الإستراتيجية لمخططات خطيرة قريبة.

لا نختلف على الأردن أبدا، والالتفات إلى شؤونه أولوية أولى، وتمتين الأردن يكون بترتيب ملفاته الداخلية، بطريقة مختلفة، بدلا من الهروب نحو دعوات الانعزال.