هل يتم انقلاب السحر على الساحر؟
حسني عايش
ينصدم الواحد/ة إذا كان يملك قدراً من الموضوعية والنزاهة من الإعلام العربي الغربي المتواطئ مع اسرائيل ضد هذا الشعب المنكوب باغتصاب وطنه وتشريده فيه وخارجه لأكثر من خمسة وسبعين عاماً. مجمل هذا الإعلام يصف القتلى الذين تقصفهم اسرائيل بالموتى، وأسرى العدو بالمخطوفين، وبالرهائن، وكأنه يوحي للمشاهد أو للسامع أو للقارئ أن المقاومة الفلسطينية عبارة عن عصابات مثل آل كابوني، وليست مقاومة شريفة وأصيلة مستمرة لنحو ثلاثة أرباع قرن تعمل لاسترجاع وطنها السليب وحريتها المفقودة. بينما يصف أطفالنا وأبناءنا وبناتنا ونساءنا ورجالنا عند العدو بالأسرى وكأنه أسرهم في معركة. إن كان لهذا الإعلام من معنى فإنه العداء لفلسطين، والوقوف والتحالف مع اسرائيل التي تغتصبها، وبالمناسبة فإن معاملة الأسرى في الإسلام أرقى بألف مرة من معاملتهم في اليهودية واسرائيل التي تفضل قتلهم دون أسرهم.
يتحدث كل منا عن التحول السياسي الشعبي في الغرب نحو فلسطين، والابتعاد عن اسرائيل، وحتى دخول كثير من أفراده في الاسلام اقتداء بالمعاملة اللطيفة للأسرى التي مثلتها المقاومة الفلسطينية في غزة التي خطفت أنفاس الأسرى والمشاهدين عن المعاملة مقابل الفظائع الاسرائيلية نحو المعتقلين الفلسطينيين الإداريين والسجناء المؤبدين والتدمير الإبادي الأعمى للشعب الفلسطيني في غزة. وسوف يتضاعف عدد المنددين بإسرائيل، ومشاعر الكراهية نحوها عندما يتوقف القتال ويرى الناس تفاصيل الفظائع الاسرائيلية في غزة بكيفها وكمّها.
ولفهم هذا التحول نحو التعاطف مع فلسطين، يجب أن نفسره علمياً فنقول: تؤمن الشعوب في العالم وبخاصة في الغرب بالإنسانية أو بحقوق الإنسان، وبحساسية شديدة لأي انتهاك لها، تسمو على الفروق الفرعية بينها وبين الضحايا في المنبت والأصل والعرق، أو اللون أو الدين أو المذهب وحتى العداء بينها وتبقى الإنسانية فوق الجميع أو هي الجامع المشترك الأعظم للبشرية.
وعليه فإن أي انتهاك متعمد لها يستفزها كأنه ضدها أو عليها، فسرعان ما تنطلق من إطارها وتقوم بالتصدي ضد منتهكها بالوسيلة أو بالأسلوب الممكن. ألم تتصدى فتاة أميركية في غزة للدبابة الإسرائيلية فجرفتها وقتلتها؟
جنون العظمة أو القوة في اسرائيل جعلها تعمى عن نتائج وحشيتها وبربريتها في غزة والضفة، ظنت أنه ليس بقدرة أحد أن يفتح فمه ضدها، فيدها طويلة وقادرة على سده، فتبين لها العكس، وأنها تصبح أضعف عندما تنتهك انسانية البشر وتهينهم.
لقد كشف طوفان الأقصى عن الحقيقة الاسرائيلية التي لم يكن يعرفها ويعاني منها أحد سوى الشعب الفلسطيني، ولقد استطاعت اسرائيل بهيمنتها السياسية والإعلامية والمالية والإعلامية واللاسامية والهولوكوست حتى تاريخه إخفاء هذه الحقيقة.
لقد كشف طوفان الأقصى وما تمخض عنه من تداعيات بالصوت والصورة وبوسائل أخرى كالتواصل الاجتماعي عن بربرية اسرائيل، وعن انتهاكها للإنسانية جمعاء، ولحقوق الإنسان وعن قتلها للأطفال في المهاد واحضان أمهاتهم.
لقد جعلت كل إنسان لم يفقد انسانيته يشعر أنها تعتدي عليه شخصياً، لقد استفزته وأنكرت انسانيته بتدميرها وعمداً وعلى مدار الساعة للبشر في قطاع غزة، فترك الناس بيوتهم وأعمالهم وبخاصة في الغرب وخرجوا للتظاهر ضدها، وللدفاع عن حقوق الإنسان الفلسطيني. لم تكن اسرائيل تتوقع ذلك فقد كانت تظن أنها محصنة.
كما سقط القناع وسال المكياج عن وجه الواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط وعن الفيلا في غابة. لقد انكشف طابقها وانكشفت لعبتها ، فما أغباها الذي تسبب به جنون العظمة أو القوة، فقد تبين أنها غاشمة أو مجنونة.
كان ابراهام بورنج رئيس البرلمان الاسرائيلي الأسبق الذي اعتزل السياسة يتنبأ بذلك عندما ذكر في كتاب له عنها: “ إن اسرائيل على درب هتلر وتنتظر المصير نفسه. إنها دولة فاشية تقوده زمرة من الفاسدين الخارجين على القانون”.