محنة الأقصى بين الأردن والفلسطينيين

 ماهر أبو طير

 

يخرج وزير الأمن القومي الإسرائيلي ويطالب بدخول الإسرائيليين إلى المسجد الأقصى خلال العشر الأواخر من رمضان، فتقوم الدنيا ولا تقعد من باب ردود الفعل، وكأن القصة هنا قصة العشر الأواخر، فقط، وهكذا نتورط في الانتقائية من حيث الأزمة، والتواقيت، والاستدراجات.

 

الذي يمكن أن نفهمه هنا أمران، أولا أن هناك تصاعداً في الضغط الإسرائيلي من خلال برقيات التهديد، أي التهديد باقتحام رفح، أو زيادة الضغط على الأقصى، أو منع المساعدات، وغير ذلك والهدف إتمام صفقة الأسرى تحت وطأة التهديدات، وهذا يفسر كثرة هذه البرقيات، فوق العمليات العسكرية والجرائم التي يتم ارتكابها يوميا، ضد الابرياء في قطاع غزة.

 

ما ينبغي قوله هنا إن مواصلة التهديد في ملف الأقصى يمس الأردن مباشرة، في سياقات إسرائيلية خطيرة، تهدد مصالح الأردن، وحساباته، وهذا يفسر رد الفعل الرسمي، عند كل تهديد للأقصى، لكن هذه المرة مختلفة، لأن الأردن مع شبكة اتصالاته الدولية التي تراعي موقفه، كان يستفيد ايضا من سوار الحماية الشعبية داخل القدس للأقصى كعنصر داعم اضافي لموقفه، وهذا السوار تم إضعافه جدا خلال شهر رمضان الحالي.

والأردن الذي يتولى مسؤولية الأقصى ايضا، يتولى المسؤولية منفردا، ولا يبدو أن هناك أي طرف عربي أو إسلامي، يرغب بالاقتراب من هذا الملف، تهرباً من كلفته الثقيلة، أو بسبب احتمالات سوء التأويل اللاحقة، وهذا يعني في المحصلة أن إدارة الموقف من ملف الأقصى تخضع لتعقيدات كثيرة هذه الفترة، في ظل مناخات الاستفراد الإسرائيلي.

تسطيح الموقف غير مفيد من جانب أولئك الذي يهونون من نتائج المشهد الحالي، أو حتى أولئك الذين يبالغون في تقديراتهم، ونحن نقف أمام مفرق طرق في كل قصة الأقصى.

عقدة المسجد الأقصى لا ترتبط كما أسلفت بالعشر الأواخر، فقط، لكن السياق يتحدث عن كون الاقتحامات تتوقف فقط في العشر الأواخر بسبب القرار الأمني الإسرائيلي الذي يتجنب العشر الأواخر كل رمضان، ويعود إلى عاداته اليومية، من بعد صلاة العيد، وهذا يعني أن استدراجنا إلى لعبة استثناء التواقيت، يراد عبره إظهار إسرائيل بصورة التي تقدم تنازلات لمن يضغط عليها، فيما الأهم أن المسجد الأقصى مهدد طوال العام.

اعادة مراجعة الموقف في شأن الأقصى، ضرورة أردنية، وهي ليست دعوة للتخلي عن المسؤولية، بل دعوة لقراءة الأخطار والرد عليها بطريقة ثانية غير الحالية، لأن مجمل المشهد خطير، وهناك انحياز كامل لصالح إسرائيل، من الدول الغربية التي كان الأردن يعتبرها حليفته في ملف الأقصى لكنها غير مؤتمنة اليوم، إضافة إلى حالة التوحش الإسرائيلية، ومع كل هذا ضعف السوار الشعبي الذي أشرت إليه، وأيضا استنتاج إسرائيل اليقيني أن لا أحد سيوقفها فهي تقتل كل يوم في رمضان، ولا تسمع صوتا معترضا من عالم العرب والمسلمين إلا من باب تسجيل المواقف الإعلامية، فلماذا سيعترض هؤلاء على هدم الأقصى، أو تقاسم المساحات الفارغة داخل الحرم القدسي، أو هدم قبة الصخرة، أو حتى نقل السيادة في الحرم القدسي إلى إسرائيل بشكل كامل وإخراج الأردن قانونيا وإداريا من الحرم القدسي.

جدولة الأزمة في الأقصى لن تنهي الأزمة من جذورها، بل قد تؤدي إلى نتائج وخيمة، فيما لا يمكننا هنا أن نحمل الأردن وحيدا كل شيء، وهو الذي يتعرض للخذلان ومحاولات الإضعاف المتعمّد.

محنة الأقصى موزعة بين الأردن والفلسطينيين، والتحليل العميق للمشهد يقول إن على الكل توقع كل شيء خلال الفترة المقبلة، على صعيد مخططات إسرائيل.