انتخابات تنظيم أم دولة في إيران؟

عمر الرداد

 

خلافاً للانتخابات التي جرت سابقاً في إيران، والتي شهدت تنافساً بين تيار المتشددين وتيارات إصلاحية، لا تقدم مقاربات جوهرية تسهم في تغيير بنية النظام الإيراني، وتحويله إلى دولة، بدت الانتخابات الإيرانية التي جرت قبل أيام، والتي يبدو أنّ نتائجها الرسمية النهائية محسومة في تيار محدد، يسيطر على كل مفاصل السلطة "التشريعية والتنفيذية والقضائية"، بصورة أقرب ما تكون إلى انتخابات تنظيم "حزب" داخل دولة، تقتصر المشاركة فيها على مستوى اختيار المؤهلين للترشح وخوض المنافسة، ومن ثم التصويت على أعضاء الحزب فقط، وهي صورة استلهمتها تنظيمات موالية لإيران، وتتبع لها في قطاع غزة ولبنان واليمن، إذ يتم الإعلان فجأة عن انتخابات جرت وأسفرت نتائجها عن تشكيل مجالس شورى وهيئات تنفيذية وتشريعية، ولا يعرف بالضبط كيف ومتى جرت تلك الانتخابات، لكنّ الفرق أنّ هذه الانتخابات في إيران معلنة نسبياً من قبل منصات التيار المتشدد نفسه.

مسألتان تؤرقان النظام الإيراني في انتخابات هذا العام، شكّلتا أهدافه النهائية من هذه الانتخابات، وهما: الأولى ضمان استمرار السيطرة المطلقة للتيار المتشدد على مفاصل الدولة الإيرانية وبشكل مطلق، وهي مسألة محسومة توفرها طبيعة النظام الإيراني، وتحديداً حق إصدار أحكام حول أهلية المرشحين، ومعيارها الولاء المطلق للمرشد الأعلى فقط، وهو ما يضمن استبعاد ليس فقط المعارضين، بل والمحتمل أنّ ولاءهم للمرشد ليس مؤكداً، ومن المؤكد إحكام تيار المرشد سيطرته المطلقة على مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة، ويتردد على نطاق واسع داخل إيران وخارجها أنّ تحقيق تلك السيطرة بهذه الانتخابات يرتبط مباشرة بتوفير ضمانات للقيادة الإيرانية باستمرار ولاية الفقيه وخلافة المرشد الأعلى (علي خامنئي)، والتحضير لضمان اختيار ابنه (مجتبى) ليخلف والده، أو اختيار خليفة للمرشد يسيطر عليه الحرس الثوري وبشكل مطلق ومؤكد.

 

أمّا المسألة الثانية التي تؤرق القيادة الإيرانية، فتتمثل بإرسال رسالة إلى الداخل الإيراني والخارج بـ"شرعية" النظام، في ظل شكوك واتهامات للنظام بتزوير الانتخابات وانخفاض نسبة المشاركة  التي بلغت عام 2020 "42.5%" وفقاً لبيانات رسمية، في حين بلغت عام 2016 "62%"، ووفقاً لتسريبات أوّلية فإنّ القيادة الإيرانية أعلنت أنّ نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بلغت بحدود "42%"، وهي نسبة مشكوك في صحتها وفقاً لأوساط من داخل النظام الإيراني، لا سيّما أنّه بعد فتح صناديق الاقتراع، وخلال أكثر من (10) ساعات لم تتجاوز نسبة التصويت في بعض المدن الكبرى مثل العاصمة طهران الـ "10%"، وهي نسب تتوافق مع نتائج استطلاعات رأي مستقلة أجريت قبل أيام من الانتخابات، وأظهرت أنّ ثلاثة أرباع السكان لا ينوون التصويت، وأنّ "16%" فقط كانوا يخططون للقيام بذلك. وقال "75%" ممّن شملهم الاستطلاع إنّهم لن يصوتوا بسبب معارضة النظام أو بسبب عدم وجود انتخابات حرة ونزيهة.

 

مقاطعة الانتخابات، بوصفها مفردة من مفردات التعبير الديمقراطي، ليست جديدة في الانتخابات الإيرانية منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية عام 1979، لكنّ الجديد بهذه المقاطعة  للانتخابات أنّها تأتي في سياقات جديدة؛ أبرزها مواقف جذرية لتيارات كثيرة رافضة لنظام "الولي الفقيه"، تعززت داخلياً وخارجياً بانضمام قطاعات شبابية واسعة إليها، وحرمان تشكيلات التيار الإصلاحي من المشاركة بالانتخابات، وهو ما أسهم برفع نسبة المقاطعة من قبل مؤيدي هذا التيار.

 

ومع ذلك، فإنّ جردة حساب بالنسبة إلى الشعوب الإيرانية للأعوام الـ (4) الماضية، بما فيها من إنجازات وإخفاقات على مختلف الأصعدة، تشكل سبباً رئيساً لمقاطعة الانتخابات، وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية المتفاقمة والمرتبطة بقرارات التيار المتشدد بقيادة المرشد، بما فيها من صرف عشرات المليارات من الدولارات على ميليشيات ووكلاء في المنطقة، بالإضافة إلى زيادة نسبة الفقر التي تجاوزت "50%"، والتضخم الذي يبلغ أرقاماً غير مسبوقة، أحدثها حوالي "90%"، وانهيار العملة الوطنية "تومان"، وهناك قائمة طويلة من معايير حقوق الإنسان التي يتم انتهاكها من قبل النظام وبشكل ممنهج، إن على صعيد المرأة والحجاب والعمل، أو أحكام الإعدام على المعارضين، إذ تتصدر إيران قائمة الدول التي تطبق الإعدام، إضافة إلى انتشار المخدرات والفساد الذي يمارسه الحرس الثوري الإيراني، وكلّ ذلك يشكّل عناوين لأسباب العزوف عن الانتخابات.

 

وفي الخلاصة؛ فإنّ الانتخابات الإيرانية الحالية، وبمعزل عن نتائجها، لن تكون أكثر من انتخابات تنظيم داخل دولة، حتى لو شارك فيها التيار الإصلاحي بتلاوينه المختلفة ، لا سيّما أنّ هذا التيار، ومنذ ظهوره بشكل واضح في رئاسة أحمد خاتمي للجمهورية، بقيت مقارباته توافقية تحاول استلهام مقاربة في العالم السنّي تم التعبير عنها بمفهوم "الأصالة والمعاصرة"، وهو ما يعني أنّ سيناريو الوصول إلى تحولات عميقة في إيران يبدو غير وارد في المدى المنظور، في ظل بنية النظام الإيراني، المقوننة عبر الدستور الإيراني، والتي تجعل كل السلطات في يد المرشد الأعلى "الولي الفقيه"، وهو ما يعني أنّ أيّ انتخابات في إيران لن تفضي إلى دولة بالمفهوم المعاصر للدول، فحتى الأنظمة الملكية تشهد تحولات باتجاه التحول إلى ملكيات دستورية تعكس التنوع في المجتمعات.