الأحصنة الطروادية الافتراضية

مالك العثامنة

 

عام 1967، أغلق جمال عبدالناصر مضائق تيران في البحر الأحمر، وكان مده القومي الجارف قائما على الثرثرة لا أكثر، لكنها ثرثرة جارفة تجر خلفها الشارع العربي كله.

دخلت دول الطوق الحرب بإسناد عربي لا مفر منه ولا عنه، ومن ضمنها الدولة الأردنية التي كانت تدير الضفة الغربية بفعالية مؤسسية رفيعة.

 

"اللا مفر" من دخول الحرب كلفنا دفع أكبر ثمن في هزيمة عام 1967، فخسرنا الضفة الغربية، بالإضافة إلى غزة التي كانت تحت الإدارة المصرية.

من المهم أن نتذكر عوامل وأسباب ودوافع تلك الحرب - الهزيمة التي استطاع إعلامنا العربي أن يحولها إلى "نكسة" حتى لا يقال عنها هزيمة يتحمل كلفتها نظام جمال عبدالناصر الذي كان العرب يرون فيه البطل المخلص.

العقلانية السياسية وقتها كانت خيانة أمام مد قومي "وهمي" جارف، قوامه الوحيد ثرثرة خطابية تتجلى في صوت أحمد سعيد وصوت العرب من القاهرة.

لماذا علينا أن نتذكر؟ لأنه في التاريخ فقط يمكن أن نستوعب الدروس إذا تكررت. وهذا ما يحدث اليوم.

الأردن ليس دولة عظمى عسكريا، قدراته تلك قادرة على حماية سيادته الوطنية بدون أي استعراض عضلات غير محسوب، لكن الأردن استطاع تعويض ذلك طوال سنوات الدولة بحضور سياسي وازن وثقيل في العالم، وكحالة عقلانية قادرة على أن تخلق التوازنات بدون أي تطرف. ومع كل ما يمكن قوله في الإصلاحات السياسية والتنمية والاقتصاد إلا أن الأردن كان قادرا على البقاء آمنا بأهله وسكانه ومواطنيه واللاجئين إليه، والعبور في كل تلك الطفرات السكانية واستيعابها مضطرا وبنجاح نسبي ملحوظ.

في الإنزالات الأخيرة، لم يكن الأردن يبحث عن بطولات استعراضية، ولا كانت تلك الإنزالات موجهة للاستهلاك المحلي، لكنها كانت رسائل مثقلة بالرمزية تبحث عن "مرسل إليهم" وصناديق بريد غربية مقفلة بسبب تراكم "المواقف المسبقة" والتضليل الإسرائيلي.

أخطر ما يواجه العقلانية السياسية هو الشعبوية المفرطة في سذاجتها. 

قبل أيام، كنت أتابع برنامجا لافتا يبث على منصات الانترنت اسمه "السطر الأوسط" في حلقة قبل عام تقريبا كان ضيفها الصحفي الكويتي الكبير أستاذنا محمد الصقر، رئيس تحرير القبس الكويتية في زمنها الذهبي.( وزمنه الذي احتضن الراحل ناجي العلي والقضية الفلسطينية حتى لا يزاود المزاودون).

في فقرة مهمة تحدث الأستاذ العريق عن ما بعد احتلال الكويت من قبل صدام حسين، عن وفد كان هو فيه زار الأردن لبيان الموقف الكويتي، وأشار إلى أن الملك الراحل الحسين أمر بفتح المركز الثقافي الملكي للوفد كي يلتقي النخب والناس ويعبر عن موقف الكويت وهي تحت الاحتلال.

في تلك الندوة، تعرض الوفد لهجوم شعبوي وحسب الأستاذ الصقر، كان أحد كتابنا المشهورين وقتها "رحمه الله بكل الأحوال" قد وقف أمام الوفد ورحب بهم بقوله "أهلا بسكان المحافظة العراقية التاسعة عشرة"! هذا طبعا غير الاستقبال الجماهيري الشعبوي السيئ الذي حمى فيه الأمن الأردني الوفد من الاعتداء خارج المركز.

ما نزال اليوم ندفع كلف الشعبويات في سياساتنا الأردنية حتى اليوم في موضوع الغزو العراقي للكويت، رغم أن الكويت تجاوزت الأمر وطوت الصفحة على عتب.

وكذلك في غزة نكرر الأمر، مع فارق بسيط:

أن وسائل التواصل صارت قطيعا من أحصنة طروادة الخشبية بيننا، وفي جوفها ما يريب ويجعلنا نتلمس ونتحسس.