اليوم التالي من وجهة نظر أردنية
مالك العثامنة
ما هو اليوم التالي بالنسبة للأردنيين؟
هذا سؤال تم طرحه أمامي من قبل زميل عربي يعمل في عاصمة أوروبية.
السؤال فيه افتراض يشبه اللغم تحت الأرض، مما يجعل الخوض في السؤال حالة تفجير مؤكدة للسؤال نفسه.
الافتراض قائم على فكرة الكتلة الواحدة الصماء في تصور "الأردنيين"! غافلا عن التنوع والتعدد في الآراء والمذاهب السياسية والمرجعيات الفكرية والتفاوت الطبقي الاقتصادي "الفاحش غالبا"!
هذا اللغم المخفي تحت أرضية السؤال، يمكن استخراجه بهدوء وتفجيره في الهواء أسئلة جديدة لا بد من طرحها، لنفهم اليوم التالي من وجهة نظر أردنية، إن جاز لنا تجويد السؤال بصورة أكثر دقة.
الأردن الرسمي ليس منفصلا عن كل تلك الحالة الفسيفسائية للمجتمع، ويحاول تجميع رؤية موحدة على صيغة خطاب رسمي لليوم التالي، واليوم التالي هنا ليس المقصود به ما بعد الحرب على غزة وتوقف العنف في الضفة الغربية، بل اليوم التالي للدولة الأردنية التي ستدخل استحقاقا حيويا في عملية الإصلاح السياسي يتجلى في انتخابات لم يبق إلا تحديد موعدها، أو تأجيل تلك الانتخابات " وهو صوت ضعيف مرتهن بتطور الأحداث الإقليمية وتصاعدها خاصة غرب النهر".
تحديد موعد الانتخابات بحد ذاته فيه لعبة سياسية يشارك فيها أطراف سياسية مداها الأقصى في التأثير يشمل عمليات إزاحة "أو تثبيت" في معارك مراكز قوى لا تعني الناس كثيرا، ولا تؤثر على تفاصيل حياتهم اليومية ولا في معيشتهم.
لكن الخطر يكمن في أن الوعي الجمعي عموما ليس معنيا بالتغيير الذي سيحدث في الانتخابات نفسها وما بعد الانتخابات، والوعي الجمعي لا يبدو مهتما بالحياة الحزبية التي تم إفراد 40 مقعدا بحد أدنى لها في البرلمان القادم، هذا التغيير الجوهري في مفهوم التمثيل الحزبي وحضور الأحزاب لم يرتق حتى اللحظة لتصبح تلك الأحزاب جماعات ضغط ومصالح كما تفترض العملية الديمقراطية في التمثيل الحزبي، وهو ما انعكس على حالة تشكل الأحزاب نفسها التي ما تزال بمجملها تدور في فلك "الشخص المؤسس" وتحاول ترسيخ فكرة "القائد الضرورة" وهو مفهوم لا يمكن له أن ينجح اليوم، مما يجعل المشهد الحزبي "قيد التأسيس" حراثة في البحر، مع استثناء تجربتين أو ثلاث تحاول بجدية الخروج من متاهات الحالة التقليدية، وتبحث عن أرض تحرثها بعيدا عن الأسطح الصوانية شديدة القساوة.
اليوم التالي للأردنيين يكمن في استمرارية الدولة بإصلاحاتها الضرورية، وهذا لا يعني إغفال التطورات الإقليمية المحيطة بالأردن، لكن الذكاء السياسي يكمن في توظيف كل أدوات المعرفة والخبرة في تجاوز التحديات المحيطة بالحد الأقصى من الاستطاعة والاستدارات الإقليمية لتخرج الدولة "والدولة هنا بمعناها الشامل لا بإطار السلطة" من مأزق التعطل تحت وطأة أحكام الضرورة.
لا ضرورة أكثر من بناء الدولة السليمة والمعافاة، وهذا ليس أمرا هينا ولا هو ملموس حتى اللحظة بما يكفي للاطمئنان.