اليوم الحالي واليوم التالي

مالك العثامنة

يتحدث مسؤول الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل بصيغة استجدائية مخاطبا إسرائيل لتوقف العدوان المستمر والوحشي على غزة.
هذا رجل يمثل "افتراضا" الكتلة الأوروبية الموحدة، لكنه "يرجو" إسرائيل أن تتوقف عن العدوان ولا ترتكب مزيدا من المجازر.


يحدث هذا في عالمنا اليوم.
في الأثناء، يكثر الحديث عن مبادرات وسيناريوهات "اليوم التالي" بعد توقف الحرب في غزة، وهي حرب توقفها الحقيقي مرتهن بحفنة متطرفين يقودون حكومة اليمين في إسرائيل. 
في المؤتمر الصحفي الأخير بين الملك عبدالله الثاني والرئيس الأميركي جو بايدن، كان الملك واضحا في طرح المنطق كما يجب أن يكون، فشدد على ضرورة وقف إطلاق النار الفوري بالتوازي مع إدخال المساعدات الإنسانية وحذر الملك من توسع العدوان، وهو تحذير في سياقه ومكانه أمام تهديدات متصاعدة لعملية إبادة خطيرة في رفح. 
الرئيس بايدن، طرح المنطق المستحيل حين تحدث عن حق إسرائيل في حربها بشرط ضمان أمن وحياة مليون فلسطيني!
المنطق الطبيعي يقول ألا ضمان لحياة أحد دون وقف العملية. كيف يمكن ضمان حياة مليون مواطن محشورين في بقعة جغرافية ضيقة بلا أي مقومات أساسا للعيش والحياة، وتحت وطأة تجويع ممنهج وحصار محكم وخانق؟
التحرك الدبلوماسي يجب أن يكون على نسق واحد وموحّد في تحقيق هدف وقف إطلاق النار الفوري المتزامن مع إدخال المساعدات. وأي تحركات سياسية قبل ذلك تشبه وضع العربة أمام الحصان.
أوروبا فيها انقسام واضح في المواقف، وتباينات لم تعد مخفية واستدارات كاملة "مثل حالة فرنسا" وهو ما يمكن التعويل عليه "سياسيا" في أي ضغوط دبلوماسية.
الحديث عن "اليوم التالي" ضرورة نظرية حاليا، لكنها ليست أولوية بقدر التحرك الفوري من أجل وقف إطلاق النار الفوري، فالدم المسال صار أكثر من قدرة العالم على الاحتمال، ولا أتحدث هنا عن الجانب الوجداني في مشاهد الدم والموت البشعين، بل من ناحية تصاعد حدة العنف الذي يحمل عدوى الانتشار لا الإقليمي وحسب بل في كل مكان.
يكثر الحديث حاليا عن سيناريوهات "تسوية" فلسطينية داخلية تتعلق بتغيير السلطة ورموزها وتنازل رئيسها عن موقعه "مع فكرة الاحتفاظ برمزيته بدون صلاحيات" والبحث عن قيادة فلسطينية جديدة قادرة على التشابك مع الشأن الداخلي الفلسطيني، وهناك أنباء تتسرب عن موافقات من حماس لهذه الطروحات.
وعلى فرض أن السيناريو اكتملت موافقاته وتجاوز "عدم الممانعة" الفلسطينية والعربية، فهل يمكن تحقيقه على الأرض بدون وقف إطلاق نار فوري وشامل.
حسب التقارير فإن غزة بكاملها لم تعد مكانا صالحا للعيش الإنساني، والدمار فيها تجاوز المعقول، مما يعني أن ما تبقى لقصفه وتدميره هم هؤلاء "المليون ونصف" وأكثر ربما لتوقف إسرائيل حربها المستمرة.
بالنسبة لحكومة اليمين.
لكي نفكر في ذلك "اليوم التالي" على الجميع تحمل مسؤولية وقف الموت في اليوم الحالي وفورا.