نظرة إلى الذات!

يعقوب ناصر الدين

من الطبيعي أن نسأل أنفسنا أين يقف الأردن من كل هذه التطورات الخطيرة والأحوال الصعبة التي تمر بها المنطقة؟ على خلفية ما يجري في قطاع غزة والضفة الغربية وفي جوارنا العربي، وارتباطه بالواقعين الإقليمي والدولي، ومن الضروري أن يكون لدينا ما يكفي من الفهم العميق للحقائق، حتى نمتلك الأجوبة الصحيحة على التساؤلات التي نطرحها على أنفسنا، أو يطرحها علينا الآخرون.


إنها النظرة إلى الذات من زوايا متعددة، نحدق جيدا في الأرضية التي نقف عليها  وبالإنجازات التي نحققها والمكانة التي نحظى بها، في وضع غير مستقر إقليميا، وعلى مدى قرن من الزمان، ولا بد أن نتفق على مقاييس دقيقة لعملية التقييم على أساس عناصر ونقاط قوتنا الذاتية، وليس على أساس نقاط ضعف غيرنا وفق معادلة المقارنة لأن كل تلك الأزمات المحيطة بنا قد انعكست علينا بالفعل واختبرت طوال الوقت قدرتنا على التحمل والصبر!

وفي اعتقادي أن الكلمة التي وجهها جلالة الملك عبدالله الثاني إلى شعبه الأردني بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين (للوفاء والبيعة) قد حملت الكثير من الإشارات والعناوين التي يمكن أن تقودنا إلى الأجوبة الصحيحة من خلال الزمان والمكان والإنسان، حيث حدد بداية لعهد جديد لكنه متصل بمنظومة من القيم والمبادئ والمثل العليا التى آمن بها راحلنا العظيم الحسين بن طلال طيب الله ثراه، والوصية والأمانة التي حملها لجلالته لمواصلة مسيرة البناء وخدمة الشعب والحفاظ على مصالحه العليا، وعلى مكانة ودور الأردن في محيطه القومي والإقليمي والدولي.
ذلك العهد وتلك القيم لها ثمن عشناه وخبرناه، (ليبقى الأردن في المقدمة دوما، صوتا للحق مهما كان الثمن، وسندا أمينا لأشقائه وأمته، يقدم فوق طاقته دون منّة، فأردن الخير والنور لا يخذل أمّته) يقول جلالة الملك ذلك، ويغادر في اليوم التالي في جولة عاجلة تشمل الولايات المتحدة الأميركية وكندا وفرنسا وألمانيا ساعيا لحشد موقف دولي من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على ترابها الوطني.
المعادلة الأهم في ثلاثية الزمان والمكان والإنسان هي عهد الولاء المتبادل بين القائد والشعب الذي يتواصل ويمتد لخدمة أجيال الحاضر والمستقبل، (نحو هدف وطني نسير فيه بثقة وتصميم، للتحديث في مساراته الثلاثة السياسية والاقتصادية والإدارية)، وهنا يكمن سر الصمود الذي حققه الأردن في مواجهة التحديات، وجميعها صعبة وثقيلة ومعقدة!
ليس كافيا صلابة الأرض كمكان نقف عليها، فهذه الربوع المباركة هي أرض الرباط، والقيادة الهاشمية تعلو في معنى القيادة نحو القداسة، ولأن تلك المبادئ هي من صميم ثورة العرب الكبرى، ومشروعها النهضوي، فإن جلالة الملك يدلي بملامح الجواب الأسمى على الأسئلة كلها ليرينا ما يجب أن نراه في ذاتنا وهو يقول (وكما علمني الحسين، فلا مسعى عندي إلا رضا الله وراحة الضمير، ورفعة شأن الأردنيين والأردنيات، وأن تبقى راية الوطن مرفوعة عالية، يحميها نشامى الجيش العربي والأجهزة الأمنية بقلوبهم وأرواحهم، ويحملها الأردنيون بصادق عهدهم وعظيم إنجازاتهم، لبيقى الأردن أولا وأبدا).
ربما تكون هذه المرحلة من تاريخ الأردن والمنطقة هي الأكثر خطورة، والتطورات كلها مفتوحة على احتمالات مقلقة، وفي كل الأحوال ستظل قدرة بلدنا على التعامل مع تلك الاحتمالات تحت الاختبار، وبالطبع يمكننا تجاوز كل الصعاب ما دمنا نثق بقدراتنا ونتمسك بعزيمتنا بثقة وحكمة واقتدار.