منظمة التحرير.. تَلزَم أو لا تَلزَم؟
منذ تأسيسها وفي أوج قوتها وحضورها الفلسطيني والعربي والدولي. ومنذ أول معركة خاضتها دفاعاً عن قرارها المستقل، وتمثيلها للشعب الفلسطيني، إلى الحرب الراهنة المفتوحة عليها، كانت المنظمة محل إجماع وطني، وكانت إطاراتها وأهمها المجلس الوطني "البرلمان" البيت الذي يجتمع فيه كل الفلسطينيين من أهم مثقفي العالم إلى أهم النقابيين والمهنيين والمبدعين والسياسيين، وفي رحابه الوارفة الظلال، تعايشت الأفكار والاجتهادات والإختلافات، وطيلة عمرها في الحياة الفلسطينية كإطار وشرعية وقيادة ومرجعية، لم يشكك فلسطيني واحدٌ بها، حتى لو اختلف على برامجها ومواقفها وسياساتها.
كل ذلك أدّى إلى أن تحوز المنظمة على صفة الوطن المعنوي للفلسطينيين إلى حين تحقيق الوطن الفعلي.. أي الدولة.
بكل هذه العناصر القوية والفعالة والمتكاملة نجت المنظمة من سكاكين التصفية. ونجا قرارها المستقل حتى لو كان نسبياً، إذ لم يجد العالم من يتحدث معه بشأن فلسطين والفلسطينيين غيرها، فقد تكرّست كرقم وحيد لا تستقيم بدونه أي معادلة سياسية يكون الفلسطينيون مادتها أو طرفاً فيها.
هكذا كانت إلى أن حدث لها ما حدث، فلم تعد بيت إجماع بعد أن احتلت السلطة المحدودة مكانها، وبعد أن استبد الانقسام الذي أفرغها من مضمونها الوحدوي، وصار من هم خارجها أكثر ممن هم بداخلها، ومن هم بداخلها، أعجز من أن يؤدوا دوراً فعّالاً من خلالها، ومن هم خارجها يشترطون دخولها بإصلاح مسبق يبدو مستحيلاً ما داموا لا يمارسونه من داخلها، وهكذا صار حالها.
فلسطينيو الشتات يعقدون مؤتمرات تحت عنوان إصلاحها، وفلسطينيو الوطن منقسمون حولها، والمتربصون بالشعب والوطن، يتمتعون برؤيتها، تضعف كوطن معنوي يفترض أن يقود إلى الوطن الحقيقي.
حين يكون خراب المنظمة تم بفعل أهلها، فهم وحدهم من يتعين عليهم إصلاحها وإعادتها إلى وضعها الطبيعي كإطار ومرجعية وشرعية وتمثيل موحد.
حاجة غزة المحاربة تتطلب ذلك، وحاجة الضفة المعاد احتلالها تحتاج ذلك، وحاضر ومستقبل الوطن لن يكون سوياً بغير ذلك.
ليتوقف الجدل العبثي حول أهميتها وضرورتها، ولينصرف الجهد كله لإصلاح حالها، والأمر حين يُتخذ قرار وطني جماعي بشأنها لن يكون مستحيلاً ولا حتى صعباً، خصوصاً إذا ما اكتشف قطبا الانقسام حاجتهم لها كمكان آمن وأخير في الوطن يلوذون به.
أهل التسوية وأهل السلاح جرّب كل واحد منهم تحالفات مع آخرين، كانت النتيجة أن تُرك أهل التسوية في منتصف الطريق مع فشل ذريع، وتُرك أهل السلاح وحدهم مع خسائر باهظة، كل ذلك يقود إلى حقيقة واحدة... لا مناص من استيعاب الدرس.
المنظمة هي البيت الدافئ أمّا غيرها فليس إلا صقيع