إلغاء الـ (أونروا) مشروع قديم متجدد... هل سينجح؟
عمر الرداد
في خطوة لم تكن مستبعدة أعلنت الولايات المتحدة تعليقاً مؤقتاً لتمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الـ (أونروا)، وتبعتها أكثر من (12) دولة أوروبية، بالإضافة إلى دول أخرى تدور في الفلك الأمريكي، استناداً لمزاعم إسرائيلية بمشاركة (12) من موظفي الوكالة في هجوم "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وقد قامت الـ (أونروا) فوراً بإنهاء عقود (9) موظفين مشتبه بهم وتوفي آخر، وفتحت تحقيقاً لتحديد المسؤوليات الدقيقة لعشرات الموظفين المستهدفين، وهو ما يُعدّ اعترافاً من المنظمة الدولية بمشاركة بعض العاملين فيها بعملية "طوفان الأقصى"، ويبدو أنّ إسرائيل حصلت على معلومات حول أسماء الموظفين المشاركين في "طوفان الأقصى" من خلال التحقيقات مع من ألقي القبض عليهم يوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) ممّن دخلوا إلى غلاف غزة، بالإضافة إلى تحقيقات ما بعد الدخول البري للقوات الإسرائيلية لقطاع غزة والاعتقالات الواسعة لعناصر من فصائل المقاومة ومواطنين عاديين، وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت أنّ الجيش الإسرائيلي قتل أكثر من (150) من موظفي الوكالة.
تعليق تمويل الوكالة الدولية بهذا التوقيت يرتبط بعاملين؛ الأوّل لحظيٌّ فرضته تطورات الحرب على قطاع غزة، والثاني استراتيجي يأتي في سياق مشاريع وتوجهات خاصة بتفكيك قضية اللاجئين كانت مطروحة قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وعلى صعيد العامل الأول، فإنّ تعليق تمويل الوكالة يتزامن مع صدور قرار من محكمة العدل الدولية "بقبول" وقوع إبادة جماعية في غزة، ودعوتها لضمان تقديم المساعدات الإنسانية للفلسطينيين العالقين في قطاع غزة، وقد قدمت إسرائيل مبررات مطالبتها بوقف تمويل الوكالة مستندة لجملة من المزاعم من بينها: تدريس الـ (أونروا) مناهج محلية تشدد على حق العودة وتندد بالمشروع الصهيوني في فلسطين، وتزعم أنّ ذلك يناقض نشر مفاهيم السلام، ثم إنّ الخدمات التي تقدمها الوكالة لصالح نحو (1.2) مليون لاجئ مسجل في غزة، تتيح لحركة حماس توجيه مواردها المالية للأنشطة العسكرية بدلاً من توجيهها للخدمات الاجتماعية والاقتصادية، كما تتذرع إسرائيل بوجود 1% فقط من الأجانب بين موظفي الـ (أونروا)، وهو ما يساهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية بوساطة الموظفين الفلسطينيين، فيما استندت إسرائيل لعضوية بعض موظفي الـ (أونروا) في جماعات المقاومة الفلسطينية أو استخدام منشآتها في عمليات المقاومة، بوصفه سبباً متكرراً لكل الدعاوى التي تتذرع بها لوقف تمويل الوكالة.
أمّا العامل الثاني، فإنّ العامل السكاني يشكل أحد العقبات التي تواجه إسرائيل استناداً للزيادة السكانية للفلسطينيين على اليهود في فلسطين، فالإحصائيات تشير إلى أنّه يعيش على أرض فلسطين التاريخية أكثر من (14) مليون نسمة، أكثر من نصفهم بقليل من الفلسطينيين، كما ترى إسرائيل أنّ الـ (أونروا) تساهم في إدامة قضية اللاجئين وتضخيمها مع زيادة عدد اللاجئين المسجلين بها من (700) ألف شخص في عام 1948 إلى (5.5) ملايين شخص حالياً، نظراً لمنح أبناء وأحفاد اللاجئين في عام 1948 صفة اللاجئ، وترى إسرائيل أنّه لا حلّ إلا بدمج اللاجئين في أماكن إقامتهم خاصة في دول الجوار، وهذه المقاربة الإسرائيلية كانت المرجعية الأولى في قرار الرئيس الأمريكي السابق (ترامب) في قراراته التي صدرت في إطار ما كان يُعرف بصفقة القرن عام 2018.
إنّ التضييق على الـ (أونروا) يأتي في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين، وهو ما تؤكده مقاربات إسرائيلية ومشاريع قديمة متجددة حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى سيناء المصرية، ومؤكد أنّ هذه المقاربات التي تستهدف الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي مقدمتها إجبار السكان على النزوح عبر عمليات قصف غير مسبوقة ومحاصرة المشافي ومدارس ومراكز الـ (أونروا) تهدف لوضع الفلسطينيين أمام خيارين؛ فإمّا القتل والتهجير، وإمّا القبول بمشاريع مطروحة متعددة لا تستجيب لطموحاتهم بالحدّ الأدنى.
ورغم التشابك والتعقيدات الواسعة والخلط بين الهدنة وتبادل الأسرى وبحث ما بعد الحرب في غزة، إلا أنّه من غير المؤكد أن يحقق المشروع الإسرائيلي بإلغاء قضية اللاجئين وحق العودة عبر إلغاء وكالة إغاثة اللاجئين نجاحات في هذا التوقيت، لأنّ إسرائيل ليست الفاعل الوحيد فيه، فهناك إصرار فلسطيني على البقاء فوق الأرض الفلسطينية، رغم كل إجراءات التنكيل والاعتقال والعقوبات الجماعية، فيما موازنة الوكالة البالغة مليار دولار سنوياً يمكن تأمينها من دول عربية وإسلامية، مع ملاحظة أنّ التعليق مشروط بالاستمرار لتلبية حاجات اللاجئين في دول الجوار في حال قبول التوطين، ومع ذلك لا بدّ من التوقف عند تزامن القرار مع الحديث الواسع حول اعتراف أمريكي وبريطاني بالدولة الفلسطينية، فيما يعرف بما بعد حرب غزة، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كان القرار في إطار تنازلات متبادلة وشروط صفقة كبرى جديدة في المنطقة، تلغى بموجبها قضية اللاجئين وحق العودة، بدأت مؤشراتها عبر هذا الحديث الواسع والتسريبات حول هدنة طويلة تم إنجازها في باريس، ورغم بقاء نقاط خلافية حولها، إلا أنّ هناك تفكيكاً لكثير من العقبات.