مسلسل المشراف وغياب التفاصيل الجوهرية

زيد نوايسة


مسلسل المشراف الذي يقدمه التلفزيون الأردني في شهر رمضان الفضيل ويجسد بطولات الجيش العربي الأردني في معركة الكرامة الخالدة يحظى بمتابعة كبيرة من الأردنيين، وبنفس الوقت ينال العديد من الانتقادات المهمة التي يجب التوقف عندها؛ ليس تقليلاً من النص الذي قدمه الأستاذ محمود الزيودي ولا من أداء الممثلين بالرغم من العديد من الملاحظات عليهم بل لأن مثل هذه الاعمال تشكل مرجعيات ترسخ في اذهان الناس ويجب أن تقدم بحرفيه.
كان من المأمول أن يرقى العمل لبطولات الجيش وتضحياته لما يشكل في وجدان الأردنيين وذاكراتهم من مكانة استثنائية وخاصة معركة الكرامة التي جاءت بعد نكسة حزيران، واعادت للجندية العربية ثقتها ولكن يبدو أن مشكلتنا دائما في الاستعجال وأحيانا التقليد المتسرع وغير المتقن ولعل الإخفاق في تقديم المشهد الأبرز وهو بطولة الشهيد خضر شكري يعقوب خير دليل على ذلك.
لدينا مشكلة في الجراءة في تقديم نماذجنا الوطنية المشرفة سواء في كتابة النصوص أو في انتاج اعمال تلفزيونية بمستوى عالي درامياً من ناحية الأداء ومن ناحية توظيف الاموال بسخاء ويبدو اننا لم ندرك بعد أن الدراما التلفزيونية أصبحت اليوم سلاحاً يفوق في تأثيرها سلاح أدوات الاعلام والثقافة التقليدي.
بينما نجحت الدراما المصرية منذ زمن بعيد وعبر العديد من كتاب السيناريو أمثال أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن ومحمد جلال عبد القوي والمخرجين امثال محمد فاضل وإسماعيل عبد الحافظ وفهمي عبد الحميد وغيرهم في تقديم سردية مصرية لتاريخ مصر بعد ثورة 1919 مروراً بالحقبة الناصرية وتجربة الانفتاح في عهدي الرئيسين الراحلين السادات ومبارك واليوم تقدم رواية حول مصر في حقبة حكم الاخوان بعد ثورة 25 يناير عام 2011، لم نتمكن حتى الان من تقديم ما يعبر عن هذه البلاد وتضحيات أهلها وجيشها بالرغم مما يزخر به تاريخ هذه البلاد على الأقل في مئويتها الأولى ومنذ الاشتباك مع المشروع الصهيوني من مئات القصص والاحداث التي تستحق أن تترجم درامياً. 
 من نافل القول إن أوجب مهمات وزارة الثقافة ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون والهيئة الملكية للأفلام؛ تقديم الاعمال التلفزيونية والاذاعية والسينمائية التي تبرز صورة الأردن الحقيقية وتظهر تضحيات الدولة الأردنية؛ سواء دور جيشنا في فلسطين وفي الدفاع عن المملكة وفي المشاركة في حماية البلاد العربية وفي التصدي لعشرية الإرهاب الأخيرة.
نحتاج أن تجسد الاعمال الدرامية السردية التاريخية الأردنية بشكل واضح وموثق بحيث تشكل مرجعية للأجيال القادمة فنحن نعيش في زمن التجريف والتحريف والتشكيك والنكران؛ وبالتالي على هذه الجهات أن تدعم وتتبنى اعمالاً محكمة وموثقة وباحترافية فنية لا أن يتم التعامل معه على طريقة حواضر البيت ويكون العنوان انجاز أي شيء.
بناء السردية في غاية الأهمية، ويتقدم في الأولوية على الكثير من الكلام الاستهلاكي الذي يذهب ادراج الرياح فوراً بينما تبقى الرواية الحقيقية للأردن دولة وقيادة ومؤسسات عسكرية ومدنية إذا ما تم تقديمها بإنتاج درامي محترم يرصد له مبالغ مالية بسخاء ولا يخضع لمبدأ قانون دائرة الشراء الموحد، فمن يريد أن يقدم تاريخ بلاده وتضحيات أهله عليه ألا يقف عند التفاصيل المالية الضيقة ويحاكي ما تقدمه الدراما المصرية والسورية والخليجية حتى لو تم الاستعانة بممثلين عرب فهذا يحدث عند الجميع.
العديد ممن شاركوا في معركة الكرامة ما زالوا احياء وقد نقل عنهم ملاحظات عن المسلسل وهناك أبناء لقادة وجنود سمعوا من اباءهم تفاصيل عن المعركة غابت عن المسلسل وكان حريا ً بالإعداد والإخراج أن يستمعوا لهم ويعكسوا تجربتهم الحقيقة في المسلسل.