مخاطر جيوسياسية تحيط بالأردن.. ما العمل؟

حذّر خبراء ومتخصصون بيئيون، من تقاطع التحديات البيئية مع المخاطر الجيوسياسية المحيطة بالأردن، ما يستوجب الإسراع بخطوات ممتدة نحو التصدي لواقع مجهَد مائياً، وسط تأكيدات ملكية في قمة مؤتمر الأطراف "كوب 28" على استحالة فصل القضايا البيئية عن الإنسانية.

وينخرط الأردن، باعتباره قلب منطقة ملتهبة، في مواجهة تحديات عديدة، ولا سيما بيئية جمة، أجّجها العدوان الاسرائيلي الغاشم على أهالي قطاع غزة وجرائم الحرب المرتكبة هناك، وقبلها اعتبار المملكة واحدة من أكبر المجتمعات المستضيفة لعمليات اللجوء.

وأكد جلالة الملك عبدالله الثاني في كلمته في أعمال قمة الدورة الثامنة والعشرين لمؤتمر الأطراف التابع للأمم المتحدة لتغير المناخ "COP28" بدولة الإمارات العربية المتحدة؛ أنه لا يمكن الحديث عن التغير المناخي بمعزل عن المآسي الإنسانية، مشدداً على ضرورة أن يشمل التعامل مع تحديات المناخ الفئات الأكثر هشاشة.

ولفت جلالته إلى الفلسطينيين الذين تأثروا بنحو كبير بالحرب على غزة، والمجتمعات التي تعاني من الأزمات والفقر حول العالم، والعائلات اللاجئة والمجتمعات المستضيفة في المنطقة.

وقالت المديرة التنفيذية لمنظمة أوراق للتنمية البيئية، وخبيرة إعلام البيئة والمناخ، الدكتورة زينة حمدان لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) إن تقاطع التحديات البيئية والمخاطر الجيوسياسية يتطلب اهتماماً عاجلاً، انطلاقاً مما شدد عليه جلالة الملك في مؤتمر الأطراف "كوب 28".

وأشارت إلى أن جلالته ركز على أن التهديدات المزدوجة المتمثلة في ندرة المياه والصراعات أدت إلى تفاقم مخاطر ندرة الغذاء والمياه، مما يمثل مجموعة هائلة من التحديات التي تتطلب حلولاً مبتكرة وتعاونية.

وأكدت أن التصدي بفعالية للمخاطر البيئية وسط شبح عدم الاستقرار السياسي يتطلب نهجا متعدد الأوجه، حيث تصبح الدبلوماسية الاستباقية، والإدارة المستدامة للموارد، والتعاون الدولي حجر الزاوية لاستراتيجية مرنة.

واعتبرت أن تعزيز المبادرات الدبلوماسية التي تتجاوز الحدود ضرورة حتمية لتخفيف المخاطر البيئية والسياسية، عبر الانخراط في حوارات بناءة وصياغة معاهدات تعطي الأولوية للحفاظ على البيئة، بما يمهد الطريق للحلول التعاونية.

وأضافت "إن تركيز جلالة الملك على الدبلوماسية يعكس حاجة الزعماء إلى تنحية خلافاتهم جانباً والعمل بشكل جماعي لحماية مستقبل كوكبنا، ومن الممكن أن تؤدي مثل هذه المساعي الدبلوماسية إلى إنشاء أطر مشتركة لإدارة المياه، وتعزيز التوزيع العادل وضمان حماية الموارد البيئية من ويلات الصراعات الجيوسياسية".

ولفتت إلى أن الاستثمار في ممارسات الإدارة المستدامة للموارد أمر بالغ الأهمية لتعزيز القدرة على الصمود في مواجهة الشكوك البيئية والسياسية، وتنفيذ التكنولوجيات الصديقة للبيئة، وتعزيز الزراعة المسؤولة، وتبني تدابير لتوفير المياه، بما يساهم في الاستدامة البيئية، ويخفف من الأسباب المحتملة للصراع على الموارد الشحيحة.

وأوضحت أنه من خلال معالجة الأسباب الجذرية للضغوط البيئية، تستطيع الدول بناء أساس للاستقرار يكون أقل عرضة للتأثيرات المتضخمة للتوترات السياسية، مؤكدة أن التعاون الدولي، ركيزة أساسية في مواجهة هذه التحديات المتشابكة.

وبينت أن إنشاء تحالف عالمي ملتزم بمعالجة تغير المناخ والتداعيات المرتبطة به من الممكن أن يعزز الشعور بالمسؤولية المشتركة، وتجاوز الحدود السياسية وإقامة الروابط التي تعطي الأولوية للرفاهية الجماعية لكوكب الأرض على المصالح المثيرة للخلاف.

ونوهت إلى أهمية التعليم كأداة قوية لتنمية الوعي البيئي والقدرة على الصمود، بالإضافة إلى تمكين الشباب ليصبحوا مشرفين على البيئة، وتعزيز ثقافة المسؤولية البيئية واتخاذ القرارات المستنيرة.

بدوره، أكد رئيس اتحاد الجمعيات البيئية، عمر الشوشان أنه لا يمكن تحييد المخاطر البيئية في ظل النزاعات المسلحة والحروب وعدم الاستقرار السياسي.

واعتبر أن الموارد البيئية وعناصرها الأساسية وفي مقدمتها الموارد المائية هي ضحايا غير معلنة في ظل عدم الاستقرار السياسي والحروب والصراعات.

وقال إن "الأردن فقد جزءا كبيرا من الرأسمال الطبيعي نتيجة عدم الاستقرار في المنطقة الذي فرضه الاحتلال الصهيوني، إذ كانت حصة الفرد الأردني في المياه تتجاوز 1000 متر مكعب قبل عام 1948، وهي تُعد حصة غنية حسب المعايير العالمية واليوم هي الأفقر عالمياً، فضلا عن تدمير كثير من الأنظمة البيئية المهمة وفقدان العديد من الأنواع البرية والبحرية الأصيلة".

وأوضح أنه حتى يواجه الأردن الأزمات المركبة التي تواجه بدورها المنطقة؛ يجب التركيز على قطاعات المياه والزراعة والطاقة لتحقيق المستوى الآمن، الذي يعزز المنعة والصمود في مواجهة أزمة المناخ العالمية.

ولفت إلى ضرورة تكثيف الجهود الحكومية لتوفير التمويل اللازم من خلال صناديق المناخ التي ستدعم الدول النامية، واستقطاب الاستثمارات الخضراء في القطاعات الاستراتيجية، لافتا الى ضرورة أن يمنح مؤتمر الأطراف الثامن والعشرين، الأولوية القصوى في التمويل المناخي للدول المتضررة من الحروب وعدم الاستقرار السياسي والعسكري، بنحو مباشر وغير مباشر.

من جانبه، قال الخبير في الأمن الغذائي والطوارئ، وسفير بعثة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة سابقاً، الدكتور فاضل الزعبي، إن الوضع المائي يعد في أسوأ مراحله، بالاستناد إلى المواصفة الدولية التي تشير إلى اعتبار الدول فقيرة مائياً إذا بلغت حصة الفرد فيها من المياه في العام الواحد نحو 1000 متر مكعب، واعتبارها مُجهدة مائياً في حال كانت حصة الفرد أقل من 600 متر مكعب في السنة، واعتبارها تعاني من ندرة مائية، إذا ما بلغت أقل من 350 مترا مكعبا للفرد في السنة.

وأوضح أن حصة الفرد من المياه في الأردن، لا تصل إلى 90 مترا مكعبا في السنة، مما يفاقم التحديات، بالإضافة لوجود مصاعب أخرى تتعلق بالاقتصاد والأمن الغذائي اللذين يؤججهما الصراع السياسي، ويعوق الجهود البيئية بنحو عام.

وأكد ضرورة إدخال التقنيات الحديثة، في تحويل نظم الغذاء والزراعة، من حيث الإنتاج والبنية التحتية واستخدام المياه، في سبيل مكافحة تداعيات ندرة الموارد المائية.

بدورها، اعتبرت الأستاذة في كلية هندسة وإدارة الموارد الطبيعية في الجامعة الألمانية الأردنية، الدكتورة منى هندية، أن الأردن يواجه تحديات كبيرة تتعلق بأمنه المائي، والطاقة والزراعة والغذاء والبيئة، بما في ذلك الإطار التشريعي المجزأ، والحاجة إلى تحسين إدارة الاستخدام للقطاعات جميعها، ووجود تحديات مثل الاعتماد على الأغذية المستوردة والعواقب الاجتماعية والاقتصادية للحروب والأمراض والتجاذبات السياسية الإقليمية.

ودعت إلى ضرورة دعم الجهود الوطنية في صناعة خارطة طريق للأمن القومي ومسيرة التحول نحو الاستثمار الأمثل للإمكانيات بما يتناسب مع المتغيرات المناخية والأزمات لتحقيق الأمن المائي والطاقي والغذائي بمفهومه الشمولي المباشر لتحقيق التنمية الشاملة للبلاد، واستثمار الميزة الجغرافية للأردن، ولاسيما في الطاقة المتجددة.

وأضافت أن الزراعة تعد من أكثر القطاعات استهلاكاً للموارد المائية، ما يستوجب استبدال أنظمة الري التقليدية للمحاصيل بحلول أكثر كفاءة تقلل استخدام المياه، وتعتمد على رشاشات الماء أو أنظمة الري بالتنقيط، موضحة أن ذلك يمكن أن يسهم بتوفير كمية "هائلة" من المياه من خلال التحكم في نسبة التبخر، واستخدام مياه الصرف الصحي المعالجة.

ويعد القطاع الزراعي، بحسب هندية، المستهلك الرئيسي للمياه، إذ بلغت نسبة استهلاكه نحو 53 بالمئة، يليه القطاع المنزلي بنحو 42 بالمئة، والقطاع الصناعي بما نسبته 5 بالمئة تقريباً، مشيرة إلى أن القطاع الصناعي يحقق العائد الاقتصادي الأعلى لكل متر مكعب من المياه المستهلكة، في حين يحقق القطاع الزراعي الحد الأدنى، ولاسيما في المناطق المرتفعة.

وبينت أن موارد الأردن المائية المتجددة، لا تزيد عن 100 متر مكعب للفرد الواحد في السنة، مقارنة بحصة الفرد عالمياً، والبالغة 500 متر مكعب، كما أن مصادر المياه في الأردن من المياه الجوفية تشكل نحو 60 بالمئة، والمياه السطحية 28 بالمئة، ومياه الصرف الصحي المعالجة 12 بالمئة.

وأكدت ضرورة الانتقال من مرحلة التخطيط والاستراتيجيات والسياسات إلى مرحلة تنفيذ الإجراءات الفعلية على أرض الواقع والمشروعات والحلول قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى، وضرورة اعتماد الموازنة المائية للمملكة بنحو رئيسي على كميات المياه التي سيتم توفيرها من المشاريع الوطنية.

وقالت إن استدامة الأمن المائي الأردني يجب أن تعتمد على تنوع مصادر المياه، وتحلية المياه، والطاقة المتجددة، مبينة أنه نتيجة لتردي وضع المياه كميا ونوعيا في الأردن والظروف السياسية الخطيرة المحيطة؛ يجب توفير البدائل وتنوع المصادر للحصول على توفير حصص وزيادة كميات المياه محليا.

واقترحت جملة من الخطوات التي يجب اتخاذها على المدى القريب، منها تحلية مياه الآبار العميقة والمالحة أو الملوثة من العناصر الكيميائية بالشكل الأمثل، وتحلية مياه الآبار المالحة في مناطق الأغوار وفي مناطق حسبان وديرعلا وأبو الزيغان لاستخدامها للشرب، وحفر وتحلية آبار جديدة لاستخراج المياه الجوفية، اضافة الى حفر الآبار الخاصة بالمياه الجوفية العميقة في مناطق الحسا وجنوب عمان التي تعد امتدادا لحوض مياه الديسي، وزيادة أعماق آبار قائمة حاليا وتحليتها إن لزم الأمر، والاستفادة وشراء تكنولوجيا التحلية المتنقلة.

كما اقترحت دراسة وتنفيذ ربط كل مشروعات المياه الوطنية والإقليمية للعمل كمنظومة واحدة في جميع محافظات المملكة، وزيادة كميات المياه التي يتم ضخها بنحو دائم من مشروع جر مياه حوض الديسي بمقدار 20 مليون متر مكعب إضافي سنويا، وتجهيز البنية التحتية لتزويد مادبا والكرك من مشروع مياه الديسي وغيرها من المحافظات.

أما على المدى المتوسط؛ دعت هندية إلى بناء السدود، والحفائر وقوننة وتنفيذ الحصاد المائي على المستوى المنزلي، وإعادة توجيه الموارد المتاحة لإصلاح سوء إدارة توزيع كميات المياه في القطاعات من حيث "من يصرف المياه؟ وكيف؟" بالإضافة إلى ضبط سرقات المياه التي تستنزف أكثر من 200 مليون متر مكعب، ومعالجة الفاقد المائي الذي يشكل 40-50 بالمئة من المياه المتوفرة، ومعالجة الفاقد من خلال تغيير الشبكات، والتحول الى نظام التزويد المستمر، ومعالجة الاعتداءات على شبكات المياه.

واقترحت استخدام الطاقة المتجددة لضخ المياه، ووضع ألواح شمسية عند كل مصادر المياه لضمان عدم توقفها في حال نفاذ الوقود الاحفوري، والاستثمار الوطني في مشروعات الطاقة المتجددة في جميع المجالات للاستدامة ولخفض تكاليف الطاقة، وتغطية المملكة بشبكات الصرف الصحي لتصبح 100 بالمئة بدلاً من 67 بالمئة، ومعالجتها لاستخدامها في ري المزروعات لتقليل استخدام المياه العذبة، وإطلاق صندوق شعبي لدعم قطاع المياه.

وعلى المدى البعيد، أكدت هندية ضرورة أن تتضمن خطة وزارة المياه استراتيجية لتنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر، عبر إقامة محطات تحلية على خليج العقبة جنوب الأردن لإنتاج 300 مليون متر مكعب، وضخها للعاصمة عمّان ومحافظات المملكة.

من جانبه، قال الخبير المائي الدكتور دريد محاسنة، إن الهجرة القسرية التي تنجم عن الصراعات والحروب، تؤثر على البلدان المستقبلة، من خلال استنزاف الموارد المائية والغذائية في التجمعات التي يتواجد اللاجئون فيها.

وبين أن اللجوء السوري إلى الأردن، كان مثالاً على كيفية تأثر البيئة بالجانب السياسي، حيث تفاقمت أزمة المياه، ولاسيما في منطقة الأزرق والمفرق، في ظل وجود نقص في المورد المائي من حوض اليرموك الذي تشترك فيه البلدان.

بدورها ، أكدت الناشطة في الحقوق البيئية هلا مراد أنه لا يمكن فصل القضايا البيئية عن القضايا السياسية، مشيرة إلى أن المفاوضات التي جرت على مدى 28 دورة في قمة مؤتمر الأطراف، هي سياسية تبحث موضوعات الحد من التلوث وخفض الانبعاثات وغيرها.

وقالت مراد إن قضية المياه في الأردن هي طرح سياسي وبيئي شائك، كون الأردن مشتركا بمياهه مع دول مجاورة، وهناك نقص في حصة الأردن بحسب الاتفاقيات الدولية من هذه المياه.

وأضافت إن الأردن لم يجد سبلا كافية لتجميع المياه التي تهطل على أراضيه، ما يشير لوجود مشاكل إدارية في الحصاد المائي، يمكن حلها عبر مشروعات وطنية واضحة، لافتة إلى وجود فرص من التغير المناخي، تتمثل بزيادة التساقطات المطرية في مناطق الجنوب، واختلاف توزيع المطر، ما يستدعي إطلاق مشروعات حصاد مركزية ولا مركزية هناك.