الهدنة في مفهومها الدولي
المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين
يجب التمييز بين وقف اطلاق النار وبين الهدنة. من حيث المفهوم، فإن وقف اطلاق النار لا يتضمن في العادة شروطاً ذات طبيعة سياسية وإنما يقتصر على وقف الأعمال القتالية مؤقتاً وفي نطاق جغرافي محدد وقد يدوم وقف إطلاق النار أحيانا فترات طويلة أكثر مما اتُفق عليه مبدئياً، بل إنه قد يتحول إلى سلام غير مقنن.
أما الهدنة فتتطلب مفاوضات تُحدد شروطها من قِبل الطرفين المقاتلين. ويكون للهدنة عادةً زمنٌ محدودٌ تنتهي بانتهاء المدّة المحدّدة، ويحقّ لكلّ طرفٍ بعد ذلك العودة إلى القتال إذا لم يتمّ الاتفاق على الصلح. والهدنة، أياً كانت مدتها التي تمّ تحديدها، تعني فقط وقف القتال بين الطرفين المتحاربين ولا تنهي حالة الحرب القائمة بشكلٍ قانونيّ، فحالة الحرب لا تنتهي إلا بإبرام الصلح.
وعند بدء سريان الهدنة، بعد تحديد موعدها، يجب على كلّ طرفٍ أن يبلّغ قوّاته العسكرية لإيقاف القتال فوراً.
وهذا ما أكدته اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية
لاهاي بتاريخ 18 أكتوبر لعام 1907 في المادة (38) منها والتي نصت: "ينبغي إخطار السلطات المختصة والجيوش رسمياً وفي الوقت المناسب باتفاقية الهدنة. وتتوقف العمليات العدائية بعد استلام الإخطار فوراً, أو في الأجل المحدد."
وعندما يتمّ وقف القتال لا يجوز لأيّ طرفٍ من الطرفين القيام بأيّ أعمالٍ هجوميةٍ أو دفاعية. ولكن اتفاق الهدنة لا يشمل عادةً ما يمكن أن تقوم به قوّات الطرفين المتحاربين من الاستعدادات اللازمة لاستئناف القتال حال انتهاء الهدنة مثل إعادة التسليح والتذخير وترتيب صفوف القوّات.
وفي حال حدوث إخلالٍ أو خرقٍ جسيمٍ للهدنة من قبل أيٍّ من الطرفين المتحاربين فإن ذلك يعطي الحقّ للطرف الآخر أن ينقضها. ولكن إذا كان الإخلال قد تمّ ارتكابه من قبل أفرادٍ من أيٍّ من الطرفين من تلقاء أنفسهم فللطرف الآخر أن يطلب معاقبة المسؤولين عن هذا الخرق ودفع التعويضات عن الأضرار التي نتجت عنه، وذلك حسب المادتين 40 و41 من لائحة لاهاي، اللتين تنصّان على:
المادة (40): كلّ خرقٍ جسيمٍ لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف يعطي الطرف الآخر الحقّ في اعتبارها منتهية، بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة.
المادة (41): إن خرق شروط الهدنة من طرف أشخاصٍ بحكم إرادتهم يعطي الحقّ في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط، ودفع تعويضٍ عن الأضرار الحاصلة إن وجدت.
يشكّل خرق اتفاق تعليق القتال (سواء كان من خلال هدنة أو اتفاق وقف اطلاق النار) إخلالاً بالثقة وانتهاكاً لمبدأ حسن النيّة. وقاعدة مبدأ حسن النيّة في المفهوم الدولي التي تنص على أنه مهما كانت الضرورة العسكرية فلا يجوز خرق حسن النية الذي تم التعهد، ويؤكد دليل المملكة المتحدة العسكري أن "حسن النية" ضروري في الحرب. وبمقتضى تشريعات الكثير من الدول، فإن انتهاك أي اتفاق لتعليق القتال، أكان هدنة، أو وقفاً لإطلاق النار أو اتفاقاً آخر بهذا المعنى، يشكّل جرماً. وهذا الجرم يسمى أيضاً بالغدر. هذه قاعدة قديمة العهد في القانون الدولي العرفي، أُقرّت سابقاً في إعلان بروكسيل، ودليل أكسفورد، وقُنّنت في لائحة لاهاي وفي النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيث أن قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو جيش معاد غدراً يُشكّل جريمة حرب في النزاعات الدولية.
في الختام، وعلى صعيد الهدنة الحاصلة بين حركة حماس وقوات الاحتلال، يجب أن تكون التوقعات قليلة من حيث عدم إخلال قوات الاحتلال لاتفاق الهدنة وبالتالي يجب التركيز على ما يَصُب في مصلحة الفلسطينيين المدنيين فيما تبقى من أيام للهدنة،،، هذا النهج -المصلحة العامة- دائما تتبناه الأردن والقيادة الأردنية، أي بإختصار نهج ضبط النفس.