في "قصر الحسينية" .. عينٌ على الأردن وأخرى على فلسطين
العين عبدالحكيم محمود الهندي
في المحن والشدائد، وفي الظروف الصعبة، تظهر الدول على حقيقتها، فتلك الهشّة عادة ما تكون "كرتونية"، فتتهاوى وتتهدم شيئاً فشيئاً، وتطير مع الرياح العاتية، وتزول.
وأما الدول القوية المبنية على أسس متينة، وتسندها مداميك فولاذية، فلا تزحزحها الرياح مهما عصفت بها، ولا تهدد استقرارها الأزمات والأوضاع مهما صعبت، بل أن تلك تكون سبباً في أنها تقوى وتترسخ ويقوى جذرها في الأرض أكثر.
وبين النموذجين، فإن ثمة أسرار قوية تكمن وراء كل نموذج، فالأول يفتقد أساساً إلى قيادة حكيمة ترسم لدولها الطريق الصحيح، وشعب يؤمن بأرضه وبلده وبضرورة وحتمية الاستمرار رغم كل الأمواج "الطاحنة"، وأما النموذج الثاني فإن السر وراء استمراره وقوته ومنعته هو قيادة قوية وصاحبة بصيرة نافذة ومدركة وواعية، وتعمل أولاً وأخيراً من أجل البلاد والعباد بكل إخلاص، بل وتكرس كل ما استطاعت من قوة لأجلهم، وبالمقابل، فإن هناك شعبٌ آمن بحتمية المصير مع القيادة "الأمينة المؤتمنة" على مستقبله ومستقبل أبنائه ووطنه، فهذا يكفي بأن يدفعه للتضيحة فداءً لوطنٍ هو بالنهاية أرضه وعائلته وأهله.
هذا باختصار الشعور الذي تولد لدي، كأي مواطن أردني يؤمن بهذا الوطن الكبير بعطائه، وأنا أقرأ تصريحات جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين خلال لقائه بنخبة من رجالات الاقتصاد بحضور سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ورئيس الوزراء وعدد من الوزراء في قصر الحسينية، فيكفي، ومن طبيعة الحضور، أن تعلم أن عين الملك، وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة مع اندلاع الحرب الصهيونية العدوانية على الأهل في قطاع غزة، تراقب القطاع الأهم، والأكثر تأثراً بكل ما يجري حولنا، وهو القطاع الاقتصادي، فهو الشريان الضامن لمنعة وقوة البلدان، وإن تأثر أو انكفأ، فإن هذا يعني تأثر أرزاق المواطنين وديمومة أسباب حياتهم.
ولأن جلالة الملك يدرك تماماً تفاصيل أبناء شعبه الدقيقة، فإنه ركز على سبيل المثال على القطاع السياحي الذي يعتبر شرياناً هاماً وحيوياً في الدخل القومي من باب، وفي تشغيل الكثير من أبناء الوطن، من باب آخر، فقد دعا جلالة الملك القطاع الخاص إلى المساهمة في تقديم الأفكار والحلول لدعم بعض القطاعات الاقتصادية المتأثرة جراء الأوضاع الراهنة، خصوصا قطاع السياحة.
ولأن الدول القوية، وكما قلنا آنفاً، لا ترهبها الأزمات، بل تكون سبباً في قوتها ومنعتها، ولعل الأردن من النماذج القليلة التي سجلت نجاحات في هذا المجال لا سيما عندما واجهنا أزمة "كورونا"، مثلاً، فكانت الإدارة الحصيفة هي التي جعلتنا نخرج منها بأقل الأضرار، فإن هذه الأزمات نفسها هي التي تدفعنا لنتطلع الى المستقبل، ومن هنا فقد أكد الملك عبدالله الثاني خلال اللقاء على أهمية الاستمرار في مسيرة التحديث الاقتصادي والإداري رغم التحديات، كما أكد جلالته على أن الأردن بلد قوي ومستقر وأن الأزمات تجعله دائما أقوى.
وفي الوقت عينه، وحتى لا نواجه ما لم يكن في التوقع، فقد دعا جلالته إلى إيجاد آلية للتحوط حماية للاقتصاد نتيجة للظروف الراهنة المحيطة، وفي هذا ولا شك حكمة تتقاطع مع الثقة بالنفس، فلا يجب أن نترك الاقتصاد رهناً للظروف، بل لا بد من وضع الخطط البديلة و"الحكيمة" فإن "حوكمة" الخطط هي من عناوين ضمان مستقبل أكثر "أمناً".
ولأن الظروف التي نتحدث عنها اليوم هي الناجمة عن تفجر الأوضاع في فلسطين المحتلة لا سيما في قطاع غزة الذي يتعرض لحجم إجرامٍ عز نظيره في التاريخ، فقد أكد جلالته على أن الأردن القوي هو القادر على الاستمرار في دعم الأشقاء الفلسطينيين، مشيراً إلى أن الأردن يعمل بكل طاقته لوقف دائم لإطلاق النار في غزة بأسرع وقت، وتسريع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع والضفة الغربية للتخفيف من الآثار الكارثية الإنسانية هناك.
وفي سياق الوضع الراهن، فقد أعاد جلالته التأكيد على أهمية مشروع الناقل الوطني وأثره الإيجابي على الأمن المائي، باعتباره مشروعا محركا لقطاعات مختلفة، داعيا القطاع الخاص إلى البدء بدعم المشروع وأخذ دوره في تنفيذه، وما يقفز للذهن هنا أن الأردن يحسب حسابات ديمومة موارده لا سيما المائية منها، وإذا ما تم تجميد اتفاق الماء مقابل الطاقة بشكل كامل مع دولة الاحتلال، فإن خيارات الأردن لتوفير المياه، لا سيما وأننا الأفقر عالمياً في هذا المجال، ستكون خيارات وطنية بحتة دون الاعتماد على أية جهة.
خلاصة القول، ومن خلال متابعة وقراءة تصريحات جلالة الملك خلال اللقاء آنف الذكر، أن الأردن دولة قوية متماسكة وضاربة في الأرض ولا تهزها الرياح العاتية، وأن مَنَعَة الأردن واستقراره وقوته وتحصنه بولاء وانتماء أهله لقيادته وأرضه، هو مصدر القوة الأقوى لفلسطين العزيزة وأهلها، وسيبقى الأردن كذلك إلى أن يتحقق النصر لأهلنا هناك بإذن الله.