الصفدي: لن نقبل ترحيل الفلسطينيين

ترأس نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي والممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسية الأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، اليوم في برشلونة، أعمال المنتدى الإقليمي الثامن لوزراء خارجية دول الاتحاد من أجل المتوسط، الذي استضافته إسبانيا، وشارك به وزراء خارجية وممثلو الدول الأعضاء في الاتحاد، ومسؤولون من الاتحاد الأوروبي وممثلون عن المنظمات الإقليمية المعنية.

وبحث المنتدى سبل وقف إطلاق النار والتدهور الخطير والكارثة الإنسانية التي تنتجها الحرب المستعرة على غزة. 

وألقى الصفدي كلمة في الجلسة الافتتاحية لأعمال المنتدى، وتالياً نص الكلمة: 
"أصدقائي الأعزاء،
اسمحوا لي في البداية أن أنتهز هذه الفرصة لأتقدم بجزيل الشكر ووافر العرفان لخوسيه على استضافة المنتدى في هذا الوقت الحاسم للغاية. وأشكر أيضاً صديقي الرئيس المشارك جوزيب على الجهد الهائل الذي بذله حتى نتمكن من الاجتماع في هذا الظرف الذي نواجه فيه كارثة لم يسبق لها مثيل منذ سنوات. فاجتماعنا اليوم هنا هو رسالة في غاية الأهمية مفادها بأننا عازمون على مواصلة جهودنا لوقف هذه الكارثة ووقف هذه الحرب ووضع منطقتنا كلها على طريق السلام العادل والشامل الذي تستحقه وطال انتظاره كثيرًا.
لقد قام اتحادنا على وعد بإحلال السلام، سلام عادل وشامل ودائم، كان من شأنه أن يضع حدًا لعقود طويلة من الصراع، وأن يضع منطقتنا على الطريق الصحيح نحو التنمية والنمو وإتاحة الفرص للجميع. لكن للأسف لم يتم الوفاء بالوعد.
فلقد تخلت إسرائيل عن التزاماتها بالسلام ولم تنفذ اتفاقات أوسلو، بل إنها اتخذت إجراءات قوضت ترتيبات الأرض مقابل السلام، التي انطلقت على أساسها عملية مدريد. لقد حرمت إسرائيل المنطقة من السلام الذي سعت عملية برشلونة، التي مهدت الطريق لقيام اتحادنا، إلى تحقيقه.
كما عملت إسرائيل بشكل منهجي على ترسيخ الاحتلال، وبالتالي تقويض حل الدولتين، بهدف، كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، "سحق الطموح الفلسطيني" ومنعه من إقامة دولته المستقلة، وليس بهدف إحلال السلام.
وها نحن نجتمع في الذكرى الخامسة عشرة لتأسيس الاتحاد من أجل المتوسط في وقت حرب وليس وقت سلام. إن هذه الحرب على غزة غير قانونية وغير إنسانية، وهي تدمر مجتمعاً بأكمله عبر قتل وتهجير وتدمير متواصل للبنية التحتية الصحية والتعليمية وغيرها من البنى التحتية الأساسية. لا يمكن بأي شكل من الأشكال تبرير هذه الوحشية وهذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي.
لقد عبرنا في العالمين العربي والإسلامي عن إدانتنا القوية لقتل المدنيين الإسرائيليين في السابع من تشرين الأول، ولكن على الرغم من مشاعر الألم والغضب، لا شيء يمكن أن يبرر أو يجعل قتل حوالي ١٥ ألف فلسطيني بريء، من بينهم أكثر من ٦٠٠٠ طفل، أمرًا مقبولًا.
يجب أن يتوقف هذا العدوان، ويجب أن ينتهي الصمت تجاهه، ويجب وقف تدفق الأسلحة التي تؤجج هذه الحرب، ويجب أن تتغير المواقف السياسية التي تستغلها إسرائيل لمواصلة حمام الدم. كما يجب ألا ينظر إلى جرائم الحرب على أنها أمر عادي ويجب محاسبة المسؤولين عنها، ولا يمكن لإسرائيل أن تكون فوق القانون.
وعلينا جميعاً أن نعمل فورًا لضمان أن تصبح الهدنة الحالية، التي من المفترض أن تنتهي اليوم، إلى وقف دائم لإطلاق النار وأن نضمن أيضًا حصول غزة على جميع الإمدادات الإنسانية التي تحتاجها وأن يتم تمكين المنظمات الأممية من القيام بدورها دون أي عوائق.
كما يجب أن تعي إسرائيل أنه لن يسمح لها بالشروع في عملية تهجير أخرى للفلسطينيين من أرضهم إلى خارج فلسطين، ويجب علينا أن نضمن عودة ١،٧ مليون فلسطيني كانوا قد نزحوا من أماكن سكانهم في غزة إلى بيوتهم.

الجزء الثاني 

أصدقائي الأعزاء،
 يتعين علينا أن نتذكر أن الصراع لم يبدأ في السابع من تشرين الأول. فقد كان هذا العام هو الأكثر دموية بالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية منذ أكثر من عقد من الزمان حتى قبل السابع من تشرين الأول. فيوم أمس، قُتِلَ 4 أطفال فلسطينيين، وهم أحمد أبو الهيجاء، محمود أبو الهيجاء، وعمار أبو الوفا (١٤ عاماً)، ومحمد الفرحان (١٥ عاماً)، ليرتفع إجمالي عدد الفلسطينيين الذين قتلوا منذ ٧ تشرين الأول في الضفة الغربية إلى ٢٣٦، بمن فيهم ٥٩ طفلاً، منهم ٨ أطفال قتلوا على يد المستوطنين. هذا العام كما قلت كان الأكثر دموية وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع هذا الوضع من الاستمرار.
إن إرهاب المستوطنين ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية والعدوان على غزة لن يجلب الأمن لإسرائيل الذي لن يتحقق إلا عبر سلام عادل ودائم. إن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لهذا السلام العادل والدائم وعلينا جميعاً أن نسعى لتحقيقه، بتصميم وقوة وعزيمة، لأن السلام في الشرق الأوسط هو في حقيقة الأمر مصلحة إقليمية وأوروبية وعالمية.
إن المضي قدماً نحو المستقبل يتطلب أولاً إنهاء هذه الحرب على الفور، وتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة لسكان غزة، والتحضير الفوري لإعادة إعمار غزة بأكملها، جنوبها وشمالها، بالتوازي مع إطلاق خطة زمنية محددة لتنفيذ حل الدولتين. كما أؤكد في هذا المقام أنه لا يمكن أن يكون هناك نهج يتعلق بغزة وحدها.

أصدقائي،
يمكن أن تؤدي أوروبا دورًا رئيسيًا في هذا الصدد، ونحن على استعداد للعمل مع شركائنا الأوروبيين للبدء فوراً في إعداد هذه الخطة وتصميم آليات لتنفيذها. ولا يمكن أن يبقى حل الدولتين مجرد اقتراح، في حين تواصل إسرائيل إجراءاتها لتقويض هذا الحل بلا توقف.
ويجب علينا أن نلتزم، مع جميع الشركاء الآخرين، وخاصة الولايات المتحدة، بإنهاء هذا الصراع بشكل نهائي من أجل الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. كما لا ينبغي السماح لحكومة إسرائيل بحرمان المنطقة من حقها في السلام والأمن.
ومن ناحية أخرى، يجب الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء احتلالها غير القانوني والمدمر الذي يحرم كافة شعوب المنطقة، بمن فيهم الفلسطينيين والإسرائيليين، من السلام الذي يتوقون إليه ويستحقونه.

أصدقائي،
إن السلام الذي نسعى إليه هو سلام للجميع لا نحابي فيه طرفًا على آخر، بل هو سلام يضمن حق الفلسطينيين والإسرائيليين في العيش جنباً إلى جنب بأمن وسلام.
يجب أن يلبي السلام، الذي نسعى إلى تحقيقه، حق الفلسطينيين في الحرية وإقامة دولتهم المستقلة، ويجب أن يعالج مخاوف إسرائيل المشروعة. هذا هو السلام الذي سيجلب الأمن لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين، وسيضمن الكرامة والحرية والفرص لكلا الشعبين، ويحترم إنسانيتهما.
هذا هو السلام الذي سينهي دوامة الخوف والكراهية، ويعيد إحياء الأمل، ويضمن أن يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون جنباً إلى جنب، في سلام وتتاح لهم الفرص، في منطقة يشعر فيها الجميع بالقبول والأمن.
ويمكن لاتحادنا أن يؤدي دورًا كبيرًا في هذا الصدد، لكن الكارثة التي نشهدها حالياً تحرمه من الظروف التي يحتاجها لتنفيذ دوره على أفضل وجه.
لكن اللحظة المناسبة يجب أن تأتي وسوف تأتي بكل تأكيد ويجب أن نكون مستعدين لها على أكمل وجه. يجب الحفاظ على اتحادنا وتعزيزه باعتباره تأكيدًا لشراكتنا، وشهادة على ترابطنا، وتعبيرًا عن قيمنا وأهدافنا المشتركة في تحقيق السلام والأمن والكرامة للجميع.
إن عملنا لتنفيذ حل الدولتين، الذي يمثل الطريق الوحيد للسلام والأمن، يجب أن يبدأ الآن. والخطوة الأولى على هذا الطريق هي ضمان إنهاء هذا العدوان الغاشم، ووقف دائرة القتل والألم واليأس التي يرزح تحت وطأتها ٢،٣ مليون فلسطيني.

مجددًا، أشكركم جزيل الشكر على هذا الاجتماع الذي يمثل رسالة للعالم أجمع مفادها أننا نقف صفًا واحدًا في العمل لإنهاء هذا الكابوس الذي حل بمنطقتنا والعمل من أجل مستقبل لن يضطر فيه أي فلسطيني أو إسرائيلي أو أي شخص في المنطقة مرة أخرى إلى أن يشهد الفظائع التي حلت وما زالت تحل بمنطقتنا.
شكرًا لكم."