كي الوعي الإسرائيلي!
رجا طلب
أبدأ مقالي هذا بالسؤال التالي.. هل باتت لدينا الثقة بأننا قادرون على تحقيق الانتصار على دولة الاحتلال أو ردعها في أي مواجهة عسكرية قادمة بعد تاريخ السابع من اكتوبر، وسؤالي هذا ليس أردنيا بل هو سؤال عربي بامتياز؟.
أعلم أن هذا السؤال جدلي إلى درجة كبيرة، وأعلم أن هناك من سيتهكم على طرحه، وهناك من سيستغرب طرحه أساسا، وهناك من سيطارده بالكثير من التشكيك والاتهامية.
أما جواب السؤال فهو نعم، فلقد باتت لدينا القدرة على الردع القوي أو الانتصار والمقصود بالانتصار هنا ليس بالضربة القاضية كما يتصور البعض والسبب في ذلك يعود الى عمر الصراع المندلع منذ 75 سنة وتعقيداته وارتباطه بالكثير من العوامل الخارجية، لهذا فان الانتصار فيه يتم «بتراكم الفعل» وبتغيير قواعد هذا الصراع وبناء قوانين ومحددات جديدة له.
بكل موضوعية فان حدث السابع من اكتوبر بدا يترك أثره في وعلى عقل ووعي سواء الجمهور الفلسطيني والعربي أو الرأي العام العالمي والجمهور «الإسرائيلي»، فهو حدث تاريخي، وتاريخيته تكمن في أنه لأول مرة منذ بدء الصراع يستطيع فيه «الفلسطيني» المبادرة في مهاجمة الاحتلال وعلى أرضه المفترضة ويوقع فيه خسائر ليست قليلة بل الأهم يوقع فيه الخسارة الكبرى ألا وهي خسارة الروح المعنوية والشعور بالانكسار، فحدث فجر السابع من اكتوبر الذي كان ينقل على الهواء مباشرة أحدث صدمة لكل من شاهده وجعل الكثيرين «يفركون» عيونهم ويحكون ورؤسهم و?تحسسون وجوههم لإدراك ما يرونه واستيعابه وللتأكد من أن ما يشاهدونه ليس فيلما سينمائيا هوليووديا، ففي تلك اللحظات وقع الجميع بلا استثناء تحت هول الصدمة، هذه الصدمة التي استُكملت بعد أن بدا العدوان على قطاع غزة ومدنه، وتابع العالم بأسره المجازر البشعة التي ارتكبها الاحتلال جراء القصف الجوي والبري والبحري (بلغ عدد المجازر أكثر من 1400 مجزرة وبلغ عدد المفقودين قرابة 7 آلاف شخص وعدد من هم تحت الأنقاض أو أن جثامينهم ملقاة في الشوارع والطرقات أو أن مصيرهم ما زال مجهولاً، أكثر من 4 آلاف شهيد وشهيدة).
وبهذا المشهد المزدحم بالدم والدمار اراد الاحتلال (كي الوعي) الفلسطيني أي قتل روح المقاومة داخل العقل والروح «وترويض هذه الشخصية الفلسطينية وتحويلها إلى شخصية مستكينة راضخة له ولإرادته، وهي «النظرية الأمنية – العسكرية المسماة «كي الوعي» لموشي يعلون والتي أطلقها عام 2000 إبان الانتفاضة الثانية وكان يعلون وقتها رئيسا لأركان جيش الاحتلال وأطلقها كي يروض الانتفاضة وقتذاك ويقضى عليها.
في النتائج فان نظرية «كي الوعي» الفلسطيني فشلت فشلا ذريعا، والدليل على ذلك أن الجيل الذي يقاوم في الضفة وغزة اليوم هو جيل الألفية الثانية الذي كان من المفترض أن يروض.
وبالمقابل فان رد فعل جيش الاحتلال بهمجيته ونازيته كان صادما للغاية لبشاعته وفقدانه لأبسط الأخلاق الانسانية، وبدلا من أن «يكوي» العقل الفلسطيني ويروضه فقد كوى العقل الإنساني العالمي الذي أبدى تعاطفا وانحيازا غير مسبوقين وبصورة تلقائية وفورية لصالح «الدم الفلسطيني».
ومن أهم النتائج التي أتوقف عندها حول هذا الموضوع هو الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة (هارفارد هاريس الأميركية) والذي أظهر أن 51% من الشباب الأميركي في سن مابين 18–24 يؤيدون «حماس» ويرفضون تأييد «إسرائيل» أو القبول بمنطقها، ويؤيدون «حماس» والشعب الفلسطيني، وهو استطلاع يعكس بصورة كبيرة صورة الشارع الأميركي المنددة للعدوان على غزة والمؤيدة للشعب الفلسطيني، كما برزت ذات الصورة في بريطانيا التي خرج فيها قرابة المليون متظاهر تاييدا لغزة ولشعبها عدا عن فرنسا وبلجيكا واسبانيا وايطاليا والدنمارك والنرويج والبرتغال.
يمكنني القول ان غباء الاحتلال المدفوع بحقده وعقدة الثأر من يوم السابع من اكتوبر أظهرته على حقيقته عاريا بلا أي لباس قيمي أو أخلاقي، وأظهرته عاجزا وقبوله صفقة الأسرى والوقود وهي الصفقة التي كان ننتياهو وفريق الحرب في حكومته يرفضونه تماما، لهو أمر يؤكد أن هذا الاحتلال بدأ «بكي وعي جمهوره» بعد هذا التنازل النوعي في موضوع صفقة الأسرى، وبعد أن بات تنياهو الذي أعلن الحرب للقضاء على «حماس» هاهو يتفاوض معها.
إن من أهم مظاهر الانتصار الفلسطيني هو هذا الانقلاب التاريخي في الرأي العام الأميركي والغربي الذي سنلمس تأثيره خلال السنوات القادمة كرافعة لتعزيز الحق الفلسطيني والمساهمة في انتزاعه.