نكبة إنسانية سياسية..
سميح المعايطة
من يضعون موازين لقياس معايير ما جرى في هذه الحرب العدوانية على غزة عليهم دائما الا يتجاوزوا اثمانا باهظة تدفعها غزة من شعبها وتركيبها السكانية وبنيتها التحتية والوضع المعيشي ليس اليوم بل إلى سنين قادمة وتفاصيل مهمة اخرى، فالحرب ليست فقط خسائر في المقاتلين من العدو او شهداء من المقاومين على اهمية هذا النوع من الأرقام، وليست اعداد ناقلات جنود او مدرعات او اي خسائر من هذا النوع فقط على اهمية كل هذا لكن للحرب العدوانية جوانب آخرى مهمة جدا تسبب بها العدو بل وقصد ان تكون.
عندما يتم تهجير اكثر من مليون وسبعمائة الف فلسطيني من بيوتهم ونزوحهم الى جنوب غزة بلا مأوى وبلا طعام او مياه منهم وحسب ما تقول الاونروا حوالي 1.1 مليون في مدارس ومباني المنظمة الدولية فهذه خسارة كبرى تتعاظم وتتحول الى نكبة سياسية انسانية مركبة اذا نجح العدو في تحقيق ولو نجاح جزئي في مشروع التهجير خارج غزة.
وعندما يستشهد حوالي 15 الف فلسطيني ويكون اكثر من 30 الف جريح منهم سيفقد اعضاءه وهناك آلاف كثيرة من المفقودين تحت انقاض الدمار فهذا ثمن كبير للعدوان، وعندما يتم تدمير عشرات الآلاف او مئات الآلاف من البيوت فهذه خسارة كبرى، وعندما يتم ضرب البنية التحتية اللازمة للحياة من مستشفيات ومدارس بل وتعطيل التعليم وضرب المستشفيات وتدمير قدرتها على العمل وخدمة الناس فهذه خسارة كبرى، وعندما يفقد الناس مصدر رزقهم ومعيشتهم وتجارتهم ويتحولون الى متلقي معونات فقط للأكل والشرب فهذه خسارة كبرى، وعندما يفقد الانسان الامان وينتظر الموت والقصف في كل لحظة فهذه كارثة، وعندما تخرج عشرات آلاف العائلات وحسرة الاب على امان زوجته وبناته، والنوم في الشوارع او مدارس الاونروا فهذه خسارة.
في الحروب ليست الخسائر المهمة في صفوف المقاتلين او معدات الجيوش فقط، لكن الخسارة الكبرى في تدمير الناس وتدمير البنية التحتية وفقدان الحياة الطبيعية وهذا ما فعله جيش الاحتلال وفي كل الحروب الكبرى كان كل بلد يحتاج بعد خروجه من الحرب الى عشرات السنين ليعود كما كان هذا اذا توفر من يستطيع ذلك وكلفة اعادة الاعمار.
خلال السنوات الماضية كانت غزة تتعرض الى عمليات عدوانية صهيونية لكن هذا العدوان مختلف لانه عملية تدمير لكل شيء، تدمير ينفذه جيش الاحتلال خدمة لمشروع سياسي له هدفان تغيير شكل غزة السياسي والسكاني، والثاني محاولة تهجير ما امكن من ابناء غزة الى سيناء، والخوف ان كان الدعم الدولي لاسرائيل سيمكنها من تنفيذ كلي او جزئي لمشروعها السياسي من تهجير وغيره.
خسائر هذا العدوان ليست في الجوانب العسكرية فقط لكن الثمن الكبير لهذا العدوان الكبرى هو تهجير ملايين الناس ونزوحهم الى الشوارع والمدارس وأعداد الشهداء والجرحى والمفقودين التي تتزايد مع كل قصف، وحياة طبيعية وبنية تحتية للحياة والتعليم والصحة غابت ونكبة سياسية كبرى، ولهذا لا يجوز اختزال آثار اي حرب بجانب واحد ومن زاوية واحدة، فما يجري نكبة انسانية اكبر من قدرة الناس هناك على الاحتمال وندعو الله الا تكتمل بتحقيق الاحتلال ايا من اهدافه السياسية التي يريدها نكبة سياسية.
كل حرب في الإقليم مثلما حدث للعراق او مثل ازمة سورية واليمن وليبيا حتى وان كانت اقتتالا داخليا او احتلال فإن تلك الحروب أعادت تلك الدول عشرات السنين الى الخلف دمارا من كل الأنواع.