الهدنة الإنسانية في القانون الدولي
أ. د. ليث كمال نصراوين
بدأ سريان الهدنة الإنسانية المؤقتة التي جرى الاتفاق عليها بين العدو الصهيوني والفصائل الفلسطينية المقاومة في قطاع غزة قبل يومين، والتي تضمنت مجموعة من الشروط الاتفاقية التي من أبرزها تبادل الأسرى والمحتجزين خلال أيام الهدنة الأربعة، والتوسع في إدخال المساعدات الإنسانية والوقود إلى سكان القطاع المحتل.
وعلى الرغم من الارتباط الوثيق بين الهدنة وتعزيز السلم الدولي الذي تسعى الأمم المتحدة إلى تحقيقه، إلا أن ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 قد جاء خاليا من أية بنود محددة تتناول مفهوم الهدنة الإنسانية بشكل مباشر. فهو يؤكد فقط على ضرورة الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين وحل النزاعات بطرق سلمية وفقا لمبادئ القانون الدولي، والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية.
وعليه، فقد أجمع فقه القانون الدولي على تعريف الهدنة الإنسانية بأنها «وقف مؤقت للعمليات الحربية بين طرفي القتال بناء على اتفاق المتحاربين، وذلك لأغراض إنسانية بحتة». ويكون للهدنة عادة وقت زمني محدد تنتهي بإنتهائه، بحيث يحق لكل طرف بعد ذلك العودة إلى القتال إذا لم يتم الاتفاق على تمديدها أو الصلح ووقف إطلاق النار بشكل نهائي. فالهدنة، أيا كانت مدتها التي تم تحديدها، تعني فقط وقف القتال بين الطرفين المتحاربين ولا تنهي حالة الحرب القائمة بشكل قانوني؛ فحالة الحرب لا تنتهي إلا بإبرام الصلح.
وإذا كان يترتب على بدء سريان الهدنة الإنسانية وقف القتال بشكل فوري وامتناع أي من طرفي النزاع عن القيام بأية أعمال هجومية أو قتالية، إلا أنها لا تشمل بالعادة ما يمكن أن تقوم به القوات المتحاربة من الاستعدادات اللازمة لاستئناف القتال حال انتهاء الهدنة، كإعادة التسليح والتذخير وترتيب صفوف القوات العسكرية.
وقد وردت مجموعة من النصوص القانونية الناظمة للهدنة الإنسانية في الفصل الخامس من اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، والتي جرى اعتمادها من قبل المؤتمر الدولي الثاني للسلام الذي عُقِد في لاهاي في عام 1907. فالمادة (36) من لائحة لاهاي تنص بالقول: «تُعلِق اتفاقيات الهدنة عمليات الحرب باتفاق متبادل بين الأطراف المتحاربة، ويجوز لأطراف النزاع في حالة عدم تحديد مدة الهدنة استئناف العمليات في أي وقت، شريطة أن يتم إنذار العدو في الأجل المتفق عليه، ووفقا لشروط الهدنة».
أما أنواع الهُدن الإنسانية، فقد حددتها المادة (37) من لائحة لاهاي بأنها قد تكون هدنة شاملة أو محلية. فبموجب الهدنة الشاملة تُعلّق عمليات الحرب في كل مكان بين الدول المتحاربة، في حين تقتصر الهدنة المحلية على بعض أجزاء الجيوش المتحاربة وضمن نطاق معين.
ويبقى التساؤل القانوني الأبرز حول الضمانات الدولية الواجب توافرها عند بدء سريان الهدنة الإنسانية، وبأن أطرف النزاع سيلتزمون بما جرى الاتفاق عليه من وقف كامل للعمليات الحربية ولفترة مؤقتة.
إن الأصل عند الاتفاق على شروط الهدنة الإنسانية أن يتم إيجاد آليات دولية لمراقبة تنفيذها، سواء أكانت الأمم المتحدة نفسها أو أي من الجهات الدولية الأخرى، ذلك بهدف منع الانتهاكات الجسيمة خلال فترة الهدنة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين المحاصرين.
وفي حال حدوث إخلال أو خرق جسيم للهدنة الإنسانية من قبل أي من الطرفين المتحاربين، فإن ذلك يعطي الحق للطرف الآخر بأن ينقضها، حيث تنص المادة (40) من لائحة لاهاي بالقول «كل انتهاك جسيم لاتفاقية الهدنة من قبل أحد الأطراف يعطي للطرف الآخر الحق في اعتبارها منتهية بل واستئناف العمليات العدائية في الحالة الطارئة».
أما إذا كان الإخلال باتفاق الهدنة الإنسانية قد جرى ارتكابه من قبل أفراد من أي من الطرفين من تلقاء أنفسهم، فللطرف الآخر أن يطلب معاقبة المسؤولين عن هذا الخرق ودفع التعويضات عن الأضرار التي نتجت عنه، وذلك استنادا لأحكام المادة (41) من لائحة لاهاي التي تنص بالقول «إن خرق شروط الهدنة من طرف أشخاص بحكم إرادتهم، يعطي الحق في المطالبة بمعاقبة المخالفين فقط ودفع تعويض عن الأضرار الحاصلة إن وجدِت».