هؤلاء "الزبائن " كشفتهم غزة


حسين الرواشدة 

‏مثلما علّمتنا غزة وألهمتنا ، فإنها كشفتنا أيضا،  لا استثني أحدا ؛ نحن والآخر ، الشعوب والدول،  مقاولو الانتصار ومروجو الهزيمة،  القوانين والمواثيق الدولية  والإعلام،  الإنسانية كلها جلست أمام امتحان غزة،  بعضها سقط بامتياز ، وبعضها نجح بصعوبة،  جردة الدروس مزدحمة بصور مشرقة للإيمان والصمود، والدعم والتضحية،  أما المرايا الكاشفة فمزدحمة ،أيضا ، بصور مظلمة للتوحش والخذلان ،  وإعلان وفاة الحضارة ،وظلم الإنسان لأخيه الإنسان .

‏فتّش عن أي قيمة سامية تصلح أن تكون درسا في التربية لأجيالنا كلها ، ستجدها ، لا ريب،  حاضرة فيما فعل أهل غزة،  فتّش ،أيضا ، عن ابشع دناءة وانحطاط ، ستجده ماثلا أمامك على هيئة محتل صهيوني غاشم ، فتّش، ثالثا ، عن اكذب لسان نطق،  وأسوأ بيان صدر ، ستكشف أنه بإسم دول خدعتنا بالحضارة والدفاع عنه حقوق الإنسان ، فتّش ،رابعا ، عن أمه عددها 2,000,000,000 نسمة عجزت عن فعل أي شيء ، ستكشف أنها تنتسب للعروبة والإسلام ، يا خسارة..!

‏سأتجاوز ،مؤقتا ، عن عشرات الصور التي احتشدت في "ألبومات "الحرب ، وما أفرزته من دروس مشرقة أو أخرى مظلمة ، لأنني أعتقد أنها لامست أسماعنا وأبصارنا ، وتغلغلت في وعينا ووجداننا،  ومن المؤكد أنها ستفعل أفاعيلها لدى أجيالنا القادمة،  أريد أن أشير ،فقط ، إلى ثلاثة ملفات كشفتها غزة ،تتعلق ببلدنا ومجتمعنا ، برجاء أن تشكل صدمة تأخذنا لمراجعات ضرورية ، لا تتعلق فقط بالاعتراف بالخطأ وتطهير الذات ، وإنما بحماية أمننا الوطني،  ومنعة وسلامة مجتمعنا أيضا. 

‏الملف الأول : دكاكين التمويل الأجنبي ، هذه التي توزعت على خارطة مجتمعنا باسم مراكز للدراسات ، أو جمعيات " تناضل"  باسم حقوق الإنسان ( المرأة والطفل) والديمقراطية ، وحتى حقوق الحيوان،  لكنها ظلت صامتة اتجاه ما حدث في غزة؛  أجندة معظم هذه الدكاكين مشبوهة،  وأغراضها معروفة ، وقنواتها تصب على شكل توصيات تذهب للداعمين  والممولين ، من أجل الاستقواء على بلدنا، والعبث بنواميسنا الوطنية.

المطلوب ،الآن ، بعد أن انكشف الممولون وسقطت عنهم كل الأقنعة أن تتوقف هذه المراكز ، مراكزهم، ليس فقط على سبيل مقاطعة الشركاء في الحرب ضدنا ، أو الإحساس بالخجل والتراجع عن الخطأ ، وإنما بدافع الالتزام الوطني والأخلاقي الذي تفرضه عليهم المواطنة الحقة،  وإذا تعذر ذلك ، فمن واجب الدولة أن تتحرك بالقانون ، ذلك أنه لم يعد لدى الأردنيين أي ثقة بمصداقية الممولين ، ولا أبنائهم الناجزين.

‏الملف الثاني : أبواق الإعلام الكاذب ؛ أقصد بعض الوسائط والمؤسسات التي تتحدث باسم البحث عن الحقيقة ، وتدافع عن الحريات الإعلامية ، وتضع لنا ما يلزم من معايير تصنيف أداء لمحاسبتنا  أو إحراجنا ، هذه التي يعتمد عليها بعضنا كمصادر موثوقة للمعلومات ، أو كنماذج للاحتذاء ، سقطت،  وقد حان الوقت لمقاطعة مكاتبها،  والمعجبين بها في بلدنا،  بعد أن ثبت أنها مجرد واجهات لدوائر سياسية وأمنية ، مهمتها زعزعة مجتمعنا ، وخلق الفتنة فيه ، وتشويه صوّرتنا،  لا أُعمم هنا ، ولكنني أذكّر ،فقط ، بما فعله هذا الإعلام الكاذب ومستخدموه، في الداخل والخارج ، من "دربكات "مقصودة في بلدنا، على امتداد السنوات الماضية.

‏الملف الثالث : زبائن السفارات ؛ لا أريد التذكير بفضيحة وثائق "ويكيليكس "التي نشرت غسيل بعض النخب لدينا في سياق  الاساءة لبلدنا ، أريد فقط أن أشير إلى أن لدينا -للأسف - نخبة من  الإعلاميين والسياسيين ،  بعضهم من المسؤولين السابقين،  تحولوا إلى زبائن دائمين لسفارات عديدة ، وأحيانا ناطقين باسمها،  لكي لا أقول أدوات لتزويدها بما يلزم من أخبار ومعلومات ، غالبا ما تكون غير صحيحة ، وموجهة ضد  مصالحنا واستقرار بلدنا ، الآن نكتشف وظيفة هذه السفارات في دول أعلنت الحرب علينا،  ونطالب ،  أيضا ، بضرورة إغلاق هذا الملف.