التاريخ النضالي للمرأة الفلسطينية

أحمد الخوالدة 

 

حكمت علاقة الرجل والمرأة في المجتمع الفلسطيني صيغة النضج والتفاعل، فالدور البطولي الذي لعبته المرأة الفلسطينية الباسلة في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني وثورته الجبارة منذ أن تعرض الشعب الفلسطيني للاحتلال فهي تمارس دورها جنباً إلى جنب مع الرجل في كل موقع وزمان ورسمت دورها بفروعه وإصرار وأبدعت في الأداء والصفاء لفلسطين القضية والأرض والإنسان.

وكان ذلك جلياً في مراحل الصراع الطويلة مع الاحتلال، وخصوصاً الدور الريادي الذي قامت به المرأة بالنضال. لقد اعتبرت المرأة الفلسطينية بان ممارسات الاحتلال القهرية تشكل تحدياً لهويتها وانتمائها لقضايا وطنها وشعبها، فأصبحت الفتاة، والأم، والمناضلة، والمعتقلة، والمربية، وأدركت أهمية تعاضد وتكامل دورها مع دور الرجل في الحفاظ على الموروث الثقافي والهوية الوطنية الفلسطينية. بناء على ذلك، يتطرق هذا المقال لمقتطفات من دور المرأة في النضالي، إضافة إلى التركيز على الدور الذي لعبته المرأة الفلسطينية في الحفاظ على الهوية الفلسطينية.
 
ثارت المرأة الفلسطينية وقت نكبة 1948، فرفضت الاستسلام للهجرة ولعبت دورًا كبيرًا في حث النساء وتوعيتهن للتمسك ببيوتهن والبقاء في البلاد قدر الإمكان. ولم يبرز دور المرأة الفلسطينية وقت النكبة فقط، بل كان لها من قبل بصمتها في مجالات عدة كالتعليم والسياسة والاجتماع والطب والفن والصحافة، لكن تجربة الهجرة جعلتها أقوى وأعطتها دافعًا لتثبت مقدرتها على تخطي الصعاب ونقل رسالة الفلسطينيين بطريقتها حتى زماننا هذا. وعند التنبيش في الذاكرة الفلسطينية للبحث عن النساء اللاتي تركن بصمتهن، نجدها تعج بأسماء شاركن في العمل العسكري والميداني وقدن العديد من المظاهرات والاحتجاجات الوطنية ضد الاحتلال وحملن البندقية وقاومن كما الرجل واستشهدن واعتقلن ونفين، كما خضن العمليات الاستشهادية البطولية وقدن المجموعات الفدائية داخل فلسطين وخارجها.
 

‎في المناطق التي احتلت في العام 1967، برز دور المرأة النضالي بشكل لا يمكن للعين المجردة أن تخطئه. فإلى جانب انخراطها في النضال الشعبي الفلسطيني ضد الاحتلال، اضطلعت المرأة بأدوار اجتماعية واقتصادية جلية للعيان. فعلى الصعيد النضال، شاركت المرأة في المقاومة الشعبية للاحتلال وقدمت الشهيدات والأسيرات والجريحات ولم تتراجع يوماً عن دورها الطليعي في مقارعة الاحتلال. فقد ارتقت شادية أبو غزالة على أرض مدينة نابلس- جبل النار، كأول شهيدة فلسطينية بعد نكسة العام 1967، وكانت الراحلة فاطمة البرناوي أول أسيرة فلسطينية تعتقل من قبل الاحتلال لنشاطها الوطني، وذلك بعد خمسة أشر من نكسة العام 1967 وهزيمة الأنظمة العربية واحتلال بقية ما تبقى من فلسطين. ولم يتوقف نضال المرأة الفلسطينية منذ العام 1967 وحتى اللحظة، بل لا يزال مستمرا ومتوهجاً ويؤكد أن المرأة الفلسطينية في طلائع الصفوف المقاتلة. ولم تتردد يوما من المشاركة في النضال الوطني ومقارعة الاحتلال، وفي هذا الإطار يشار للمناضلة ماجدة السلايمة والتي اعتقلها الاحتلال في العام 1978 وهي حامل في شهرها 
‎السادس، لتنجب طفلتها (والتي أسمتها فلسطين)  وهي داخل زنازين العدو

وخلال الانتفاضة الأولى والتي أسقطت مقولة الصهاينة أن الفلسطينيين والفلسطينيات مجموعات من السكان وليسوا/ لسن شعبا، وانتزعت الاعتراف بحق الفلسطينيين والفلسطينيات بالوجود كشعب له حقوق وطنية وسياسية، كان للمرأة دور نضالي يشهد له القريب والبعيد. فإلى جانب انخراطها في الفعل النضالي اليومي، عملت المرأة على الإسناد الجماهيري للانتفاضة من خلال نشاطها في اللجان الشعبية وفي الجمعيات الأهلية التي عملت على تقديم الخدمات الطبية والإنسانية للفلسطينيين والفلسطينيات. كما ساهمت المرأة الفلسطينية وبفعالية في الأعمال التطوعية والتي قادت إلى ترسيخ العمل التطوعي كقيمة تميز المجتمع الفلسطيني. كما أن المرأة الفلسطينية ومن خلال الجمعيات الخيرية والجمعيات النسوية التي انتشرت في فترة ما قبل قيام السلطة الفلسطينية في العام 1993، قد شكلت حكومة ظل وطني، مما سهل عملية الانفكاك عن الاحتلال خلال الانتفاضة الأولى. كما لعبت النساء دوراً مميزاً في قيادة العمل الوطني في الأرض المحتلة، وخاصة في أواخر سبعينات القرن الماضي مع توجه الفصائل الفلسطينية لتشكيل منظمات جماهيرية في الأرض المحتلة من قبيل لجان المرأة والاتحادات الطلابية والنقابات وغيرها من الأجسام الجماهيرية.