الإرهاب والإبادة الجماعية بين عمان وغزة

المحامية ريم ابو حسان

 

تمرّ اليوم ذكرى تفجيرات عمان الأليمة في التاسع من شهر تشرين الثاني؛ ونحن نشهد يوميا المجازر التي ترتكب في غزة لمدة تزيد عن شهر، مع تجدد ممنهج للتوحش والإرهاب في غزة؛ ولكنه اليوم برعاية دولية، يستهدف الفرح والمرأة والطفولة، كما استهدفتها تفجيرات عمان؛ لتترك أسراً مكلومةً باكية؛ تحمل معها جرحها ما استمرت في الحياة تقاوم وتصمد متسلحة بالإيمان واليقين وعدالة المطالب والقضية.
 
هذه الأيام نشهد إنهياراً في منظومة حقوق الإنسان ككل؛ وخصوصا حقوق المرأة والطفل؛ مع وصول عدد الشهداء لحين إعداد هذه المقالة لما يزيد عن عشر الاف شهيدة وشهيد، منهم أكثر من أربعة آلاف طفل لا نعلم بأي ذنب قتلوا، وما يقرب من ثلاث آلاف شهيدة بريئة، جلّهن من الأمهات ممن تركن أطفالاً أيتاماً منذ بداية حياتهم، شاهدوا أمهم وهي تموت أمامهم ولا يملكون إلا الصراخ والدموع.
 
اليوم تأتي ماكينة القتل والإرهاب الاسرائيلية لتقتل منظومة حقوق الإنسان مع إبادة النساء والأطفال في غزة؛ وتدمر شعاراتها أمام أعين الإنسانية كما دمرت غزة؛ فلا حق حياة ولا مسكن ولا غذاء ولا دواء ولا أمرأة ولا طفل سلم من الدمار ، فسقطت اتفاقيات جنيف وسقطت المواثيق الدولية أمام اليات الإبادة الجماعية؛ والتي تخلّت حتى عن أخلاقيات الحرب منذ القدم بعدم استهداف المرأة والطفل والكوادر الطبية، أو استخدام أسلحة الدمار الشامل.
 
بالتزامن مع ذكرى الإرهاب في عمان، فإنه علينا اليوم ان نفكّر جدياً ماذا بعد؟، ما الذي يجب أن نقوم به بعد انتهاء الحرب على غزة من النواحي الإنسانية والنفسية؟ ..
 
استذكر في ٢٠٠٥ وبعد تفجيرات عمان بادرت جمعية حماية ضحايا العنف الأسري بتأسيس شبكة الدعم النفسي والمساندة الإنسانية من أجل المتابعة النفسية لأسر ضحايا تفجيرات عمان؛ وأرى انه يتحتم علينا اليوم أن ندرس آليات تقديم المساندة الانسانية والدعم النفسي لأهل غزة وذوي الشهداء؛ بالتوازي مع تلبية الاحتياجات الاساسية للافراد والمساعدة الطبية العلاجية الجسدية والتي يساهم بتقديمها الاردن من خلال المستشفى الميداني العسكري الأردني وما يتمتع به من دعم ملكي مباشر، علّنا نخفف الألم عن أهلنا في غزة؛ فبناء الإنسان وإعادة تأهيله لا يقل عن أهمية إعمار المباني والمؤسسات.
 
كيف نتمكن من زيادة المنعة لدى الأفراد والجماعات بعد هذه الأحداث الدامية؟، بل كيف سنتعامل غداً مع آثار ما نشاهده مما يحدث في غزة من مآسي يصعب على العقل البشري استيعابها؟، وهذا يتطلب بنظري تشكيل فريق وطني على قدر عالي من الجاهزية لتقديم الدعم النفسي والمساندة الانسانية لمن يطلبها من افراد وجماعات.
 
إننا وإذ نبحث عن أية مساحة نقدم بها جهداً لدعم أهلنا في غزة؛ فأننا نستمد العزم من الموقف المشرف والواضح للاردن في هذه الأحداث وعلى رأسها الجهود الملكية المؤثرة في صناعة القرار العالمي، والاشتباك الإيجابي لجلالة الملكة مع الرأي العام العالمي؛ وجهود الحكومة الأردنية في تخفيف معاناة أهلنا في غزة، وهذا يحتم علينا أن نبحث في قدراتنا الشعبية وامكانياتنا العلمية والمدنية، أسوة بما قدمناه سابقاً مع أسر شهداء تفجيرات عمان؛ وبعد الاعتداء الاسرائيلي على غزة عام 2009 حين تم انشاء وحدة الدعم النفسي في المستشفى الميداني العسكري في غزة، وهذا أضعف الأيمان لعلنا نسعدُ طفلاً أو سيدةً في غزة أو نخفف من المعاناة ولو يسيرا.
 
ونحن نترحم على الشهداء والشهيدات من أبناء غزة ومن ضحايا الإرهاب في عمان، لنأمل أن نقدم العون كيفما نستطيع؛ لا بالكلمات فقط ولا برسائل التضامن، فهذا واجبنا الوطني والإنساني والقومي، وليشهد العالم أن اهل الاردن هم وكما كانوا عبر التاريخ خير مساند لقضايا الامة بدعم الثوابت الوطنية وعلى راسها القضية الفلسطينية والتي نعتبرها قضية وطن وامّة عربية واحدة .
 
*ريم ابو حسان/ الرئيسة الفخرية لجمعية حماية ضحايا العنف الأسري، ومن مؤسسي شبكة الدعم النفسي والمساندة الانسانية.