إنزال في تل الهوى
ماهر أبو طير
هذه هي الحرب السادسة التي تشنها إسرائيل ضد قطاع غزة، منذ عام 2007، لكنها الأبشع، والتي يتم تغطيتها بدعم غربي واضح، مهما تباكى هؤلاء في تصريحاتهم على المدنيين.
خلال ستة عشر سنة، أي منذ عام 2007، تعرض القطاع إلى ستة حروب إسرائيلية دموية، أي بمتوسط كل سنتين ونصف يتم شن حرب جديدة، الأولى كانت في نهايات 2008 بدايات 2009، والثانية حرب 2012، والثالثة حرب 2014، والرابعة حرب 2019، والخامسة حرب 2021، والسادسة حرب 2023، وكان لكل حرب اسم فلسطيني، وتسمية إسرائيلية.
وبعد الحرب الأولى على قطاع غزة عام 2009 اقيم في قطاع غزة مستشفى عسكري أردني يشرف عليه ويديره أطباء الجيش الأردني وطواقمه ويقع مقره في حي تل الهوى في مدينة غزة الذي يتعرض هذه الأيام لقصف إسرائيلي عنيف، وهو ذات المستشفى الذي بقي عاملا طوال كل هذه السنين، وعايش كل هذه الحروب، حتى وصل كادره اليوم إلى مئات الأفراد، يخدمون ويعودون ويذهب بدلا منهم أطباء وطواقم جديدة في كافة الاختصاصات في ظروف صعبة.
كانت هناك مخاوف لدى الغزيين عند اندلاع الحرب بعد السابع من تشرين الأول حول احتمال إغلاق الأردن للمستشفى بسبب مخاطر الحرب وقلة الإمكانات ومنع المساعدات والأدوية، وإغلاق المعابر، واستهداف إسرائيل للقطاع الصحي في غزة، وهذا ما شهدناه خلال الأيام القليلة الماضية من خلال قصف المستشفيات، من المستشفى المعمداني، إلى الاندونيسي، مرورا بالرنتيسي، والنصر، ومجمع الشفاء الطبي الذي تم استهداف سطحه عصر الاثنين بصواريخ إسرائيلية لتدمير الواح الطاقة الشمسية بهدف قطع الكهرباء، إلا أن الأردن قرر ابقاء المستشفى العسكري، على الرغم من خطورة الظروف والازمات والعمليات العسكرية، وقصف الاحتلال، وتحول كل المنطقة الى منطقة حربية، حيث استجاب الأردن أيضا لمناشدات الغزيين بابقاء المستشفى لمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم في هذا الظرف.
وسط هذه الحرب التي يتم شنها على القطاع، يرفع الأردن معنوياتنا بعملية لإنزال المساعدات الطبية والدوائية إلى المستشفى الميداني الاردني 76 فجر الاثنين، وهي عملية تطلبت ترتيبات لوجستية معقدة، وهو إنزال جرى في منطقة عسكرية متفجرة ومتواصلة العمليات، تتطاير فيها الصواريخ ليل نهار، وقد يصبح المستشفى الأردني المستشفى، لاحقا، المستشفى الوحيد العامل في غزة، وهو يعمل بلا شك بكل كوادره وسط ظروف خطيرة، حيث يقوم الاحتلال بتهديد المستشفيات، والاتصال بادارتها من اجل اخلاءها، إضافة الى قطع الكهرباء عنها، ومنع وصول كل المساعدات والأدوية اليها، للانتقام من المدنيين.
ومن اللافت هنا أن الأردن حذر إسرائيل مسبقا يوم أمس من محاولات الاقتراب من المستشفى أو أي جزء منه، بما يعني أن مخاطر قصفه أو تهديده واردة، وسط هذه الحرب التي لا تفرق بين مقاتل ومدني في أكبر عملية ثأر دموية عمياء، والمعلومات تشير إلى أن المستشفى بدأ بإجراء عمليات نوعية بعد وصول الإمدادات إليه والتي ستمكن الكوادر من الاستمرار في العمل، وستساعد في إسعاف المصابين في حي تل الهوى الذي يتعرض لعملية إبادة، وربما يتعاون المستشفى مع مستشفيات ثانية في القطاع لتأمينها ببعض الأدوية، أو تحويل الحالات منها الى المستشفى الميداني الأردني، في ظل هذا المشهد المؤلم حقا.
أمام استشهاد أكثر من عشرة آلاف فلسطيني، وجرح عشرات الآلاف، واستمرار الجرائم الإسرائيلية، تأتي أهمية عملية الإنزال كونها اختصرت الكثير من الوقت، لو كانت المساعدات الطبية والدوائية تتدفق عبر المعابر، وما يتعرض له معبر رفح من تعقيدات وعمليات تأخير وتفتيش، إضافة إلى أن عملية الإنزال بحد ذاتها التي نفذها سلاح الجو، خطيرة كونها جرت في منطقة عمليات، لا تتوقف فيها التراشقات طوال الوقت.
الدم الذي يقدمه الغزيون يعادل الدنيا وما فيها، لكن الأردن بكل ظروفه يحاول أن يخفف من هذه المأساة، وهو هنا لا يمن على أحد، أمام حجم الكارثة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وهي كارثة يجمع الأردنيون على كونها تمس وجدانهم بشكل مباشر، كون القضية الفلسطينية قضيتهم أيضا، ولا يقفون إلى جانب الفلسطينيين من باب ابداء التضامن الشكلي.