دلالات قانونية لاستدعاء سفير الأردن من إسرائيل
د. ليث نصراوين
ضمن السياسة الأردنية الرافضة للاعتداءات الوحشية التي يقوم بها جيش الاحتلال في قطاع غزة، وتعبيرا عن موقف الأردن المدين للمجازر اللاإنسانية التي يجري ارتكابها بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، قرر وزير الخارجية وشؤون المغتربين قبل أيام استدعاء السفير الأردني في إسرائيل إلى الأردن فورا، والطلب من دولة الكيان عدم إعادة سفيرها الذي سبق له وأن غادر المملكة.
وقد جاء القرار الأردني واضحا وصريحا بأن اشترط لعودة السفراء بين البلدين وقف العدو الإسرائيلي لحربه المسعورة في غزة، والتوقف عن قتل المدنيين الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، والسماح بإيصال كافة أشكال المساعدات من غذاء ودواء ومياه إلى سكان القطاع المحتل.
ويبقى التساؤل الأبرز حول الأثر القانوني المترتب على القرار الأردني الجريء باستدعاء سفيره من تل أبيب، والذي لم تتوقعه حكومة الاحتلال بحجة أنها ترتبط بمعاهدة سلام مع الدولة الأردنية.
إن العلاقات بين دول العالم وتنظيم آلية تبادل البعثات الدبلوماسية قد جرى تنظيمها بموجب اتفاقية دولية خاصة تسمى اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961، والتي تحدد الإجراءات المتعلقة بالعمل الدبلوماسي بين الدول، وتبين الحقوق والواجبات المقررة لأفراد البعثات الدبلوماسية، والتي تشمل عدة مفاهيم كالحصانة الدبلوماسية وقطع العلاقات.
فمن ضمن الصلاحيات التي تملكها كل دولة في علاقاتها مع دول العالم أن توافق ابتداء على التمثيل الدبلوماسي لأي دولة معتمدة وأن تبقي على ذلك التمثيل، أو أن تطلب من أي من الممثلين الدبلوماسيين مغادرة أراضيها، واعتبار أي منهم من الأشخاص غير المرغوب في تواجدهم على أرض الدولة المعتمد لديها.
وهذا الحق قد كرسته المادة (9) من اتفاقية فيينا بالقول أنه "للدولة المعتمد لديها في أي وقت وبدون ذكر الأسباب أن تُبلّغ الدولة المعتمدة أن رئيس أو أي عضو من طاقم بعثتها الدبلوماسي قد أصبح شخصا غير مقبول، أو أن أي عضو من طاقم بعثتها (من غير الدبلوماسيين) أصبح غير مرغوب فيه، وعلى الدولة المعتمدة أن تستدعي الشخص المعني أو تنهي أعماله لدى البعثة وفقا للظروف".
ومن الحقوق الأخرى التي تملكها الدول في علاقتها مع الدول الأخرى قطع العلاقات الدبلوماسية معها وسحب السفراء بينهما. وهذا ما أكدته المادة (45) من اتفاقية فيينا لعام 1961 التي تعطي الحق لكل دولة بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أي دولة أخرى، وأن تقوم باستدعاء بعثتها الدبلوماسية في تلك الدولة بصفة نهائية أو بصورة وقتية، وذلك دون أن تكون ملزمة ببيان أسباب هذا الإجراء.
وعادة ما تلجأ الدول إلى سحب سفرائها أو الطلب من ممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة لديها مغادرة أراضيها اعتراضا منها على سلوك أو تصرف فردي غير لائق. كما تقوم الدول باستدعاء بعثتها الدبلوماسية من دولة ما احتجاجا على قرار أو سياسة معينة تتبعها تلك الدولة المعتمدة، والتي ترى فيه أنه لا يتناسب مع مصالحها الوطنية العليا.
وهذا ما حصل مؤخرا بالنسبة للأردن الذي عبّر عن رفضه وإدانته الشديدة للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبأنها تهدد المصلحة القومية العليا والأمن الوطني الأردني، فكان قراره باستدعاء سفيره من تل أبيب وعدم عودة سفير الكيان إلى عمان.
وتجدر الإشارة إلى أن طرد سفير الدولة المعتمدة أو استدعاء البعثة الدبلوماسية لا يعني بأي حال من الأحوال إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ إذ يصنف هذا القرار على أنه إجراء تصعيدي مؤقت يهدف إلى تسجيل موقف معين من دولة ما تجاه دولة أخرى.
فخلال الفترة التي ينقطع فيها التمثيل الدبلوماسي بين دولتين، تكون الدولة المعتمد لديها ملزمة بموجب اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية باحترام وحماية مباني البعثة الدبلوماسية للدولة المعتمدة حتى في حالة وقوع نزاع مسلح. كما يمتد التزام الدولة المعتمد لديها لحماية منقولات ومحفوظات البعثة الدبلوماسية الموجودة على أراضيها خلال فترة قطع العلاقات أو سحب السفراء والبعثات الدبلوماسية مع الدولة الأخرى.
إن المادة (22) من اتفاقية فيينا تنص صراحة على اعتبار المباني الدبلوماسية ومنازل السفراء ذات حرمة لا يمكن للحكومة المضيفة دخولها وتفتيشها دون إذن رئيس البعثة، وأنه يجب على الدولة المعتمد لديها اتخاذ كافة الوسائل اللازمة لمنع اقتحام أو الإضرار بمباني البعثة، وذلك بصرف النظر عن وجود تمثيل دبلوماسي وسفراء فيها من عدمه.
وعليه، فإن حماية مباني السفارات والبعثات الدبلوماسية يعد واجبا دوليا على الدولة المعتمد لديها، حتى خلال الفترة التي يتم فيها قطع العلاقات الدبلوماسية وسحب السفراء بينهما، وهذا ما يبرر قيام رجال الأمن العام بحماية مقر السفارة "الاسرائيلية" في عمان أثناء المظاهرات الشعبية ضد الحرب الصهيونية على قطاع غزة، وخلال الفترة التي يكون فيها مبنى السفارة خال.