الغرب وحقوق الإنسان الفلسطيني.. السقوط الكبير
لم يكن جديدا علينا، نحن المدافعين عن حقوق الإنسان، المواقف المزدوجة لقادة العالم الغربي حيال احترام مبادئ حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم، حيث يتم انتقاد انتهاكها في بعض البلدان، والتغافل عن انتهاكها في بلدان أخرى. وكنا وما زلنا مدركين أن المصالح السياسية والإستراتيجية لهذه الدول هي المحرك الأساس لتوجيه هذه المواقف.
منظومة حقوق الإنسان العالمية تعد خلاصة ما توصل إليه التاريخ البشري من مبادئ وقيم تكرست لأجل احترام كرامة الإنسان، وغطت مجموعة واسعة من المعايير الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأفراد والجماعات، من حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، وأصبحت العمود الفقري لما يطلق عليه القانون الدولي.
وفي هذا السياق لسنا بحاجة لجهدٍ كبير لإثبات أن احتلال فلسطين منذ عقود، وما يجري فيها خلال الأسابيع الماضية وبخاصة الجرائم والمجازر الكبرى التي ترتكبها دولة الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وجرائم الحرب المخالفة بشكل واضح للقانون الدولي.
مختلف هذه الجرائم الإنسانية شكلت اختبارا لمصداقية قادة دول العالم الغربي، التي يعلن سياسيوها صباح مساء أهمية احترام مبادئ ومعايير حقوق الإنسان، حيث سقطوا أخيرا سقوطا كبيرا، سبقتها سلسلة من السقطات الأخرى على مر العقود الماضية، وفي العديد من القضايا، حيث لم يتم إغماض العين عن انتهاكات وجرائم الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وغزة فقط، بل يتم دعمها سياسيا وعسكريا من خلال تشجيعها على ارتكاب المزيد من الجرائم، بحجة حق «دولة الاحتلال الإسرائيلي» في الدفاع عن نفسها.
هذه الدولة التي وصفتها الأمم المتحدة بدولة الفصل العنصري، ارتكبت قبل احتلالها لفلسطين وخلاله وما تزال ترتكب الجرائم والمجازر، تحت سمع وبصر العالم أجمع، (وهذا ليس بسبب استماعنا لقصص المجازر والقتل الجماعي والترحيل من آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا الذين نجوا من المجازر، وتم تهجيرهم من بلداتهم)، بل تم توثيقه من قبل العديد من المؤرخين اليهود أنفسهم، بعد اطلاعهم على الوثائق البريطانية والإسرائيلية ذات العلاقة، ولعل كتاب إيلان بابيه «التطهير العرقي لفلسطين» الذي أصدره عام 2007، أهم الكتب التي وثقت ذلك. وهي «الدولة» الوحيدة في العالم التي لا تعترف بالقانون الدولي، ولم تنفذ أياً من قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال منذ إنشائها.
ومع ذلك، أثبت الاختبار الأخير– ذو الكلفة الإنسانية المرتفعة- الذي ما يزال مستمرا حتى لحظة كتابة هذه المقالة، والمتمثل في ارتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلي عشرات المذابح ضد الفلسطينيين في قطاع غزة من السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ذهب ضحيتها حتى الآن ما يقارب عشرة آلاف إنسان غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء وكبار السن، وإصابة وجرح ما يقارب 30 ألفا، وتدمير عشرات الآلاف من البيوت.
أمام كل هذه الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب– وفق كبار موظفي الأمم المتحدة– ما يزال قادة الدول الغربية الكبرى يقدمون جميع أشكال الدعم السياسي والمادي لهذه الدولة وعدوانها على غزة، ورموا خلفهم كافة نصوص القانون الدولي المختلفة ومبادئ حقوق الإنسان، ويحولون دون تمرير قرار لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن الدولي.
قراءة سريعة لهذه المواقف تقودنا مباشرة إلى أن قادة هذه الدول وسياسييها، يعترفون بالقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان عندما تخدم مصالحهم فقط، وعندما تنتهك فقط حقوق مواطني دولهم من الأصول الغربية. أما الشعوب الأخرى غير الغربية، حتى وإن حملوا جنسياتها، فليس من الضروري أن يتمتعوا بهذه الحقوق، وليس بالضرورة أن يستفيدوا من القانون الدولي.
هذا ليس بغريب أبدا، إذ أن الدول الغربية مارست استعمار الشعوب الأخرى لعقود طويلة، وسرقت، وما زالت، مواردها بطرق مختلفة، وما زالت طريقة تفكير «عقلية» السياسيين الغربيين تدفعهم للنظر إلينا في المنطقة والشعوب غير الغربية الأخرى باعتبارنا لا نستحق التمتع بما يتمتع به الغربيون.
أي سقوط أخلاقي أكبر من هذا السقوط؟ وبأي لغة سيتحدث قادة الدول الغربية عن القانون الدولي وحقوق الإنسان في المستقبل بعد هذا الانكشاف؟ ومناظيرهم لا تستطيع، أو لا تريد، أن ترى هذه الجرائم والمجازر العديدة، التي تتوافر على مختلف وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية.