الكتابة على هوامش النص
مالك العثامنة
يخرج باراك أوباما على فيديو برنامج "بود كاست" يديره أحد موظفي إدارته السابقين على وسائل التواصل الاجتماعي ليتحدث عما يحدث في غزة.
أوباما كان سيد البيت الأبيض لثماني سنوات وجو بايدن كان نائبا له طوال تلك الفترة، الإثنان ينتميان لحزب واحد هو الحزب الديمقراطي، ويتحدث أوباما بطريقة حذرة في برنامج بود كاست فيقول :
( .. إن ما فعلته حماس كان مروعا وليس هناك أي مبرر له، والصحيح أيضا أن الاحتلال، وما يحدث للفلسطينيين، لا يطاق.)!!
صار الكل يتحدث بطريقة يبحث فيها عن مخرج آمن يقيهم شر انتقاد تطرف الحكومة الإسرائيلية، وأوباما هنا يحاول أن لا يجد تبريرا لحماس فيما قامت به في السابع من أكتوبر الماضي، لكنه بنفس الوقت يضع تفسيرا قائما على حضور الاحتلال ويسعى في تركيب جملته "الحذرة" على عدم ربط الاحتلال مباشرة بما فعلته حماس!!
لكن فعليا، فإنه الاحتلال الذي أنتج كل ذلك، وسيظل ينتج العنف و يمارس الإقصائية التي لا يريد أحد ان يتحدث عنها، والمقاومة مهما بلغ التطرف فيها ليس أكثر من رد فعل على تطرف مقابل تمارسه إسرائيل وتعلنه ولا تخفيه في تصريحات كل وزراء الحرب في حكومتها المتطرفة وأحزابها المتطرفة، وكلهم حالة إنتاجية لمزاج عام إسرائيلي متطرف راكم تطرفه عبر سنوات طويلة من خطابات الكراهية وتواطؤ الجميع.
ربما قد يكون لتصريحات أوباما أثر طفيف ولن يتعدى أثره مساحة قليلة من المستمعين له، وربما كان أوباما أكثر قدرة على التأثير لو عمل داخل الحزب الذي جمعه بنائبه بايدن، وهو الرئيس الحالي، وربما كان لأوباما أثر أكبر لو تحدث مع بايدن وإدارته حول كل ذلك، في غرف مغلقة يسقط فيها كل الحذر مما لم يستطع قوله بصراحة.
العنجهية الإسرائيلية بكل غطرستها الدموية تمارس التنمر السياسي والإعلامي بتفعيل كل أذرعها الإعلامية والسياسية على كل من يتحدث على غير ما تريد الحكومة المتطرفة فيها، والانتقام الأعمى "وهو فعلا أعمى" يسيطر على المزاج العام الإسرائيلي والمستفيد الوحيد هو نتنياهو وطاقم المتطرفين معه في إطالة أمد الحرب.
نتنياهو المطلوب للقضاء في إسرائيل سابقا، والذي وجد المخرج الآمن له في حصانة سلطته الحكومية يغرق أكثر فأكثر في مسؤوليات قانونية أكثر خطورة لو تم تفعيل القانون الدولي والمطالبة "في عالم أكثر عدالة" بمحاكمته وكل فريقه على جرائم الحرب التي يتم ارتكابها في غزة حتى اللحظة.
يستمر أوباما في حديثه الذي يشبه الاعتراف الكنسي للتطهر من الذنوب فيقول:
(..إذا كنت تريد حل المشكلة، فعليك أن تتقبل الحقيقة كاملة. وبعد ذلك عليك أن تعترف بأن لا أحد يداه نظيفتان، وأننا جميعًا متواطئون إلى حد ما).
الحقيقة كاملة كما يقول هي في أن الاحتلال هو خط الإنتاج الوحيد لكل هذه المأساة في الشرق الأوسط، والاعتراف بأن لا أحد يداه نظيفتان وان الجميع متواطيء ليس أكثر من حالة تطهرية للرئيس الأسبق ما دام لا يحمل هذا الرأي بكل حججه وتفاصيله ومنطقه القوي إلى حيث كان يسكن في شارع بنسلفانيا في واشنطن حيث البيت الأبيض ويتحدث مع الساكن الجديد وطاقمه، او يثير الأمر في الحزب الذي يجمعهما، مستغلا قرب الانتخابات الوشيكة.
نجح أوباما في الوصول إلى البيت الأبيض أول مرة تحت شعار مؤثر مفاده "نعم نستطيع".
وأتساءل إن كانت الاستطاعة متوفرة لديه كما الشجاعة في أن يساهم في وقف الدعم المجنون من إدارة "نائبه الأسبق" لإسرائيل لوقف هذه الحرب وفرض قوة السلام ولو مرة في غزة المنكوبة بكل هذا الدم.
كل ما فعله أوباما ليس أكثر من كتابة على هوامش النص.