المواقف الروسية الغريبة
جهاد المومني
يمكن لروسيا ان تفعل أكثر كثيراً مما تفعل الان على الساحة الدولية كي تكون حاضرة باعتبارها قوة عظمى في الصراع الدائر في غزة، فالموقف الروسي من العدوان الاسرائيلي المدعوم من اعداء روسيا لا يليق بدولة عظمى، ويشبه الى حد بعيد مواقف الدول المتوسطة الهيبة والقدرة، فكيف اذا كانت روسيا تقاتل في اكرانيا منذ زهاء عامين وقاتلت ولا زالت في سوريا بهدف فرض هيبتها في هذا العالم لتخليصه من احادية القطب وفرضها نداً للولايات المتحدة الاميركية، روسيا لا تدين الجرائم الاسرائيلية الا تلميحا وحتى عندما قصفت اسرائيل كنيسة ارثوذكسية وقتلت اطفالا ونساءً مسيحيين ارثوذكس جاءت الادانة من موسكو خجولة ولا تشير الى الجريمة بحد ذاتها بل الى استهداف المدنيين بشكل عام رغم ان روسيا تدعي حمايتها للكنيسة الارثوذكسية ورعاياها في الشرق.
هكذا كان الموقف الروسي من الحرب الغربية على العراق، ادانة كلامية من الخارجية الروسية رغم قيام حالة من التحالف بين عراق صدام حسين وروسيا في ذلك الزمن ولو لمجرد ان العراق اعتمد على السلاح الروسي بشكل اساسي ، وفي سوريا اليوم يبدو الموقف الروسي غريباً جداً، فبينما تدك اسرائيل مطارات حليفها بشار الاسد وقطاعاته العسكرية فان روسيا لا تحرك ساكناً بل حتى انها لا تتكرم على السوريين بمعلومات استخبارية عن وقت الغارة الاسرائيلية رغم امتلاكها عدة قواعد عسكرية في سوريا مزودة بالرادارات الكفيلة برصد اي اعتداء اسرائيلي قبل حدوثه.!
والان بينما تتدافع بوارج اعداء روسيا الى شواطئ البحر المتوسط المطلة على طرطوس حيث أكبر قاعدة عسكرية روسية خارج حدودها، ويتوافد المسؤولون الغربيون الى اسرائيل تسبقهم الطائرات المحملة بالذخائر الفتاكة لتجريبها في غزة، فان روسيا أكتفت بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن لوقف العدوان على غزة رغم ادراكها ان الدول الاستعمارية سوف تواجه طلبها بفيتو ثلاثي بريطاني أميركي فرنسي، وفي الجلسة الاخرى التي عقدت بطلب من البرازيل من أجل فرض هدنة انسانية، اكتفت روسيا بالامتناع عن التصويت..!
حسابات روسيا تبدو غريبة، فبالرغم من ان الغرب يحاربها في اكرانيا ويحاصرها من كل ناحية الا لجهة كوريا الشمالية والصين، فأن روسيا التي تطالب بتعدد الاقطاب وتخوض حروباً من أجل ذلك، لا تدرك ان القاعدة البسيطة تقول ان (عدو عدوي هو صديقي )، او انها تدرك ذلك الا ان هذه المقولة لا تناسبها حين يتعلق الأمر باسرائيل، وتعمل بموجب قاعدة أخرى اسوة بدول كثيرة من الحجم دون المتوسط والتي ادركت ان الطريق الى قلب الولايات المتحدة يمر عبر اسرائيل، واحياناً نرى روسيا تتصرف مثل بعض الدول العربية وتكتفي بانتظار الانتخابات الاميركية كل اربع سنوات لعل الاميركيون ينتخبون صديقاً لها يعترف بعظمتها.!
دون اي شعور بالخشية من ردة فعل القيصر، لم يتلعثم الرئيس بايدن بكلامه عندما ربط بين الرئيس بوتين وحماس فكلاهما – حسب قوله - يعمل ضد الديمقراطية (الاميركية – الاسرائيلية) ، وكأنه يتحدث عن بشار الاسد او كيم جونغ اون، ثم اضاف بايدن الى مقارنته المستفزة ثمانين مليار دولار لاوكرانيا دعما لها كي تواصل حربها واستنزاف روسيا، ثم جاء الرد مدويا من موسكو، (هذا التوصيف غير مقبول).!
كيف للفلسطينيين او اللبنانيين او السوريين ان يراهنوا على موسكو اذن، وكيف ينصبها العالم المكره على تبعيته للولايات المتحدة قطباً ثانياً يمكن الاعتماد عليه حين يجدّ الجد وتبدأ الطائرات الاسرائيلية بالحوم في سماء بيروت او دمشق كما تفعل الان في سماء غزة لتدمر ما بني طوال عقود من الزمن؟
على موسكو ان تقدم أكثر من مجرد ادانة خجولة لجريمة حرب ثابتة الاركان ومدعومة من اعدائها الغربيين بالسلاح والمال والجنود، وعلى موسكو الا تكتفي بالتذكير بحل الدولتين لانهاء الصراع حالها حال السلطة الوطنية الفلسطينية المغلوبة على امرها، على موسكو ان تتقدم خطوتين جريئتين لمواجهة هذا الاستعمار الجديد الذي يفتح طريقاً الى خاصرتها، فلكي تكون طرفاً في السلم يجب ان تكون طرفاً في الحرب ولو بامداد حلفائها بالاسلحة الكفيلة بردع العدوان حين يصل الى طهران على بعد فرسخ من حدودها ، وعلى موسكو الا تحمل العصا من المنتصف حين تكون هي ذاتها على قائمة بنك الاهداف.!!