أهم خسائر الاحتلال ومكاسب الفلسطينيين
إبراهيم القيسي
لست متأكدا بأنني يمكنني التحدث عن الخسائر والأرباح، التي نجمت عن انفعال الخنزير البري الجريح، ليس فقط لأنني لا أحب الخنازير، وأكون غاية في الدهشة والارتياح حين أشاهد فيديو لضبع يفترس خنزيرا، ولا أحب أن يقوم الأسد بأكل خنزير، لأنه أسد يرمز للنبل، رغم وحشيته حين يدافع عن نفسه،.. ومع ذلك سأذكر شيئا مما أعتبره خسائرَ مُني بها المحتل الإرهابي المجرم، ومكاسب مباركة تلقتها فلسطين وقضيتها وشعبها..
بعيدا عن الأرواح؛ الفلسطينية أعني، وقريبا جدا من أرواح من نفق من الجنود والمستعمرين المستوطنين، فقد خسر الجيش المجرم أعدادا كبيرة، على يد الفلسطينيين، وعلى الرغم من أنني أميل إلى أن هذا الكيان العنصري يبالغ في عدد من ماتوا منه، سواء من يصنفهم كمدنيين أو عسكريين، فانا أعتبرهم كلهم محتلين ويعلمون بأنهم يعيشون على أرض مسروقة ليست لهم، وأعتقد أن كل من تجاوز منهم 20 عاما، قد ساهم بطريقة أو بأخرى بقتل فلسطينيين، أو بسرقة أرضهم وحقوقهم، لكن يقول إعلام الجيش الإرهابي بأنه فقد حوالي 2200، وهذا رقم كبير «مزلزل»، ويمكن اعتبار ضخامته هي الخسارة الأهم التي حرص هذا المشروع الإجرامي، على أن لا يخسرها أو تتهدده يوما، وهي الفكرة الإستراتيجية الوجودية بالنسبة لهم، أي فكرة الردع، وزرع الرهبة والخوف والصورة الوحشية في أذهان الفلسطينيين وغيرهم، وهي نفسها التي تمنح أي مهاجر أو متذمر مقيم في فلسطين، من هؤلاء المجرمين، تمنحه شعورا بالتفوق والأمان، ويعتبرها التفويض الفعلي لبقائه متفوقا، ويتمتع بسطوة تسهل له «البلطجة» على الفلسطينيين وعلى المنطقة العربية وغيرها، واهتزاز بل تدمير هذه الصورة بأيدي 1000 فلسطيني، وبسلاح تقليدي كلاسيكي، كان بمثابة هزيمة ساحقة لهذا الكيان الكرتوني، لن تعود ثانية لتستقر في ذهن العربي ولا الفلسطيني، علما أن الفلسطيني ومنذ الانتفاضة الأولى، قد تخلص من هذه الانطباعية التي يحاول الاحتلال الصهيوني ترسيخها في الذهنية الفلسطينية والعربية، بينما على الجانب الفلسطيني تعتبر هذه أهم المكاسب الفلسطينية، والشرح يطول لكنه معروف بالنسبة لكل طفل فلسطيني قبل أن نقول كل رجل وامرأة.
الخسارة الثانية الكبيرة التي مُني بها الاحتلال المجرم؛ هو سقوطه، بل انكشاف مدى سقوطه ووحشية جرائمه، ابتداء بجريمة احتلال فلسطين، مرورا بمجازره التي ارتكبها بحق الفلسطينيين، ووثقها ثم نشرها بكل وقاحة واستهزاء بالعرب والعالم وقوانينه، وكلنا رأينا اعتراف مجرميه حول تنفيذهم للمجازر في القرى الفلسطينية عام 48، وهي بالطبع الصورة ذاتها في المجازر اللاحقة والمستمرة حتى يومنا هذا، فعرف جزء كبير من البشر «أصل الجريمة»، بحق الشعب الفلسطيني البطل، الذي كانت مكاسبه في هذه الحالة، مزيداً من التعاطف العالمي والفهم لقضيته، وحقه بالدفاع عن نفسه وحقه بتحرير أراضيه.
من بين خسائر الكيان العنصري المجرم المهمة؛ اهتزاز الصورة المضيئة التي روجها له داعموه الأمريكان والأوروبيون عموما، ليظهر مدى قبحه وعفونة أيدلوجيته العنصرية، لتجعل التعامل معه من قبل الحلفاء أنفسهم مستقبلا، محفوفا بمعارضات سياسية واجتماعية وقانونية وأخلاقية كبيرة «تفهمها الشعوب الأوروبية» أكثر من غيرها، وتتحسب من السقوط فيها مستقبلا الأحزاب في اوروبا وأمريكا، كما تتصيدها وسائل الإعلام في كل المجالات التي تتطلب تعاون الدول والشعوب ضمن شعارات «الأنسنة والتنمية والشفافية والتجارة ..الخ»، لن يكون من السهل على أي سياسي أوروبي وأمريكي، أن يتغنى بعد اليوم، بدعم ورعاية ما يسمونه «اسرائيل» كدولة ديمقراطية أو حليف مناسب، لأنه انكشف ككيان عنصري مجرم ساقط أخلاقيا وقانونيا، وارتكب جرائم حرب وإبادة أكثر مما «يقولون» أن النازية ارتكبتها، فهذا الكيان هو جريمة العصر، التي اتخذت من النازية المزعومة ذريعة، لتهدد الجنس البشري وإنسانيته وعدالتها.
المشهد الذي يحاولون عنوة إعادة تثبيته في ذهن العالم، هو الوحشية، كقدر لا مفر منه، وهو بالضبط ما يضعفهم اليوم ويكشف حقيقتهم، فهم يراهنون على أن شعوب العالم مقتنعة بأن العالم بشع بالفعل، وعنصري متطرف مثلهم، ومنحاز للجريمة، والقوة البربرية الغاشمة، بينما العالم لن يكون عصابة ولن يقبل هذه البشاعة والجرائم الكونية التي تقع بحق البشر الضعفاء .. وللحديث سيرة طويلة، وانفتحت، وما زالت تتوالى بتنوير مثير.