النوايا عندما تتكشف
عماد عبدالرحمن
أهم النتائج للعدوان الحالي على غزة تكشّف النوايا الحقيقية للغرب تجاه القضية الفلسطينيية، ورؤيتها لمستقبل الصراع بالمنطقة، بعد عقود طويلة من التضليل والتعمية على تلك النوايا التي تكشفت على حقيقتها، وبينت للرأي العام العربي والعالمي ما تحتفظ به عواصم الغرب من نوايا، تكشف عن الوجه الحقيقي لسياساتهم ورؤيتهم لحل القضية الفلسطينية من خلال تصفية الشعب الفلسطيني وتهجيره مجدداً من أرضه وأرض أجداده، مستفيدين من تفرّد الغرب بصناعة القرار العالمي، وسيطرته على مواطن الثروات والنفوذ في العالم، وضعف القوى الرئيسة الأخرى التي أقحمت في حروب استنزاف أخرى لا نهاية لها.
شخصياً، وعلى مدى عقود طويلة من المتابعة للقضية الفلسطينية لم أسمع خطاباً أو مواقف سياسية تخص قضية الشرق الاوسط،أكثر وضوحاّ، كما هو الحال هذه الأيام، فالغرب بهذه المواقف لم يعد يكترث بردود فعل مئات الملايين من العرب والمسلمين في شتى بقاع الأرض، وإختار دعم وتأييد المعتدي بالمال والسلاح على حساب هؤلاء العزل، وهو لا يدرك حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بمصالحه وتواجده، لا أقول رسمياّ، ولكن شعبياً، فكلمة الشعوب عندما تتحد يكون لها صداها وتأثيرها، حتى ولو كانت الحكومات مكبّلة باتفاقيات وضغوط وتأثير بحكم المصالح والعلاقات الدولية.
هذه المواقف، تدفع القادة المؤثرين بالمنطقة، خصوصاً في الاردن، لمصارحة الغرب ومحاولة تنبيهه للأخطاء التي يمكن أن يرتكبها، والانجرار وراء التضليل الإسرائيلي، والتي سيدفع ثمنها لاحقاً، لأنهم الأقدر على قراءة المشهد وفهم وتحليل ما يحدث، وانعكاساته المستقبلية، وبلا شك، فإن مباركة عواصم الغرب وتأييد قتل الأطفال والنساء الآمنين في بيوتهم، وهدم المستشفيات ودور العبادة والمدارس، يبعث برسائل كثيرة من شأنها تحريك الرأي العام الغربي الذي يواجه بحملة تضليل أيضاً من قبل الاعلام الغربي، ضد حكومات بلادهم، وهو ما يحدث الآن في العديد من العواصم الغربية، خصوصاً،عندما تكشف زيف الإدعاءات والكذب الممنهج، وتضليل الناس بروايات مكشوفة.
منذ نحو ثلاثين عاماً، والغرب يردد «حل الدولتين» الذي لم يكتب له النور رغم اعتراف العرب بما فيهم الفلسطينيون بإسرائيل، وإقامة علاقات دبلوماسية مع كثير من العواصم العربية والاسلامية، لكن هذا لم يشفع بتبني الغرب رؤية سياسية حقيقية جادة وراسخة تنهي الصراع بالمنطقة، يأتي الموقف المخزي لتلك العواصم لتكشف أن كل ما كان يقال عن » حل الصراع » لم يعد كونه كسباً للوقت لكي تتمكن إسرائيل من بسط سيطرتها على كامل الارض الفلسطينية، وتصفية الشعب الفلسطيني بالقتل أو التهجير أو الأسر، في محاولة يائسة لإظهار أن القضية تم حلها من خلال حكم ذاتي إداري، دون الاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على كامل التراب الفلسطيني وعاصمتها القدس الشرقية.
عموماً، رب ضارة نافعة، الآن خسرت عواصم الغرب جراء هذه المواقف المنحازة علناً، وستشعر تلك العواصم بحجم الخسارة مستقبلاً، فلم يعد بالإمكان القول بوجود وسطاء أو رعاة لمسيرة السلام، التي سقطت آخر أوراقها في العدوان الهمجي الأخير على غزة، وأصبح لزاماً على العرب والمسلمين الاستدارة المعلنة بالبحث عن بدائل وتحالفات إستراتيجية أكثر نزاهة وصدقية، ومقاطعة الغرب ومنتجاته ومصالحه ليس فقط من أجل القضية الفلسطينية بل من أجل مصالحها ومصالح شعوبها، فالغرب لم يعد مؤتمنا، ولا يأبه لأي شيء عندما يتعلق الامر بإسرائيل التي لا تخفي نزعتها للتوسع وبناء إسرائيل الكبرى، وهو المشروع الذي يؤخره الصمود والرفض الفلسطيني للتنازل عن حقوقه، وثبات الموقف الاردني الرافض للتنازل عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في القدس، وهو الموقف الذي لا يتزحزح كونه موقف حق وشرعي ولا يمكن المجادلة فيه.