غزة.. أولويات متتالية
سميح المعايطة
عند بداية العدوان الإسرائيلي على غزة بعد قيام المقاومة بعمليتها المؤثرة كان الهدف الأول لدول المنطقة الوصول إلى إيقاف العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة وسكانها، وكان الجميع يدركون صعوبة الأمر لأن "التحالف" الدولي الذي نجحت إسرائيل في صناعته كان قويا ويحمل قناعات صلبة تجاه حماس بأنها تمارس أفعالا مثل داعش بل إن نتنياهو وصف عملية المقاومة بأنها الأصعب على اليهود بعد الهولوكست، ونجحت إسرائيل في تجييش الرأي العام الغربي لمصلحتها وكانت المحصلة دعما غير مسبوق عسكريا وسياسيا واقتصاديا.
لكن إسرائيل مع دوران عجلة العدوان أنتجت أهدافا جديدة تحولت إلى أولويات للدول التي تساند غزة، فالحصار ومنع دخول المياه والكهرباء والغذاء صنعت أزمة خطيرة على حياة الناس في غزة، وزاد الأمر تعقيدا بعد بدء تأثير هذا الحصار ومنع دخول أي مساعدات من خارج القطاع، ثم أضافت إسرائيل هدفا جديدا وهو الموت لكل الناس عبر القصف الذي لا يستثني أحدا من المدنيين وقصف البيوت، وكانت الخاتمة حتى الآن محاولة تفريغ شمال قطاع غزة ودعوة أهله للهجرة إلى جنوب القطاع لأنها ستقصف كل مناطق الشمال، وترافق مع هذا دعوات إسرائيلية لأهل غزة بالهجرة إلى مصر لتدخل الحرب في مرحلة استهداف الأمن القومي المصري عبر محاولة تنفيذ مخطط قديم وهو توطين نسبة من أهل غزة في سيناء، وهو هدف مرحلي له مراحل أخرى.
وعلى الجانب الأميركي كان وما يزال له هدفان: الأول دعم مطلق لإسرائيل وتفويض لها لفعل أي شيء، والثاني محاولة إطلاق سراح الرهائن من حملة الجنسية الأميركية الموجودين لدى حماس، وهو هدف ربما يتحول إلى مشروع صفقة تبادل أسرى جزئية لإطلاق سراح حملة الجنسيات الأجنبية مقابل إدخال المساعدات وهذا الأمر دخلت روسيا على الخط عبر استعدادها للوساطة وأيضا تركيا وقطر.
لكن إدخال المساعدات وتخفيف المعاناة الإنسانية لأهل غزة تضعف من محاولة إسرائيل لفتح أبواب التهجير إلى مصر، فالحصار والقصف العشوائي والجوع ونقص المياه والدواء هو أدوات إسرائيل في صناعة أجواء التهجير والتخفيف من معاناة أهل غزة يضعف فرص التهجير أو حتى طرحه كخيار.
إسرائيل تدرك أن مصر دولة قوية وأنها لن تسمح بأي تهجير لكنها صنعت هدف التهجير باعتباره إنقاذا لأهل غزة من الموت والجوع وتحاول من خلال الحصار ومنع إدخال المساعدات الضغط على مصر، طبعا إسرائيل لا تحقق كل ما تريد لكن موضوع التهجير كان محاولة لجعل الأمر على الطاولة، بل وجعله خيارا لأهل غزة وربما تكون الدول المساندة لإسرائيل تتحدث به في كواليس مباحثاتها مع الدول.
العدوان لم ينته بعد، والأولويات والأهداف الجديدة تحاول إسرائيل صناعتها مع كل فترة ومرحلة وحتى لو لم تحقق ما تريد فإنها تحاول صرف النظر عن الهدف الأكبر وهو وقف العدوان بشكل كامل، لأنها تريد استغلال هذه الفرصة غير العادية من الدعم الدولي والتفويض لها لتفعل ما تشاء لتحقيق أهداف تتجاوز الرد أو الانتقام من حماس على قيامها بالعملية.