صدى سيناريو تهجير الغزيين يُدوي في الأردن

لم تكن قنبلة تهجير الغزيين التي فجرتها إسرائيل قبل أيام، بدعوتها سكان القطاع للتوجه جنوبا صوب الأراضي المصرية تجنبا للقصف، مُدوية في القاهرة وحسب، إنما امتد صداها إلى العاصمة عمان، التي ترفض تهجير الفلسطينيين وتحذر منه في السياق العام، بما لا يمكن فصله أيضا، عن سياق مخاوفها من سيناريو مشابه قد تدفع تل أبيب إلى حدوثه في أي وقت ما في الضفة الغربية المحلتة الحدودية مع المملكة، وهو الأمر الذي يستحضر هواجس ما يعرف بـ"الوطن البديل".

ووفق ما ذكر مصدر حكومي، فإن المملكة تراقب عن كثب تطورات الأوضاع على حدود قطاع غزة مع مصر، وترمي بكل ثقلها السياسي والدبلوماسي لإجهاض ما وصفه بـ"مخطط التهجير الإسرائيلي"، متطرقا إلى تحذير جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه في عمان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قبل أيام، من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من جميع الأراضي الفلسطينية أو التسبب في نزوحهم، وضرورة عدم ترحيل الأزمة إلى دول الجوار ومفاقمة قضية اللاجئين.

وقال المصدر ذاته، إن الموقف الأردني يدفع باتجاه التهدئة في قطاع غزة، بما يتيح للنازحين صوب الحدود المصرية، البقاء داخل القطاع، مع ضمان وصول مختلف أشكال المساعدات الإنسانية لهم ولجميع السكان، وذلك منعا للتهجير، وبالتالي خلق أزمات جديدة ومفاقمتها.

وفيما أكد المصدر أن الأردن يتحرك بهذا الملف على المستوييْن العربي والدولي، أشار كذلك إلى أن "ذلك الملف يعد قضية عربية عامة ولا تنحصر تداعياتها وأبعادها على القاهرة أو عمان وحسب". 

وتحدث كذلك عن الخشية من أن يؤدي استمرار القصف الإسرائيلي على غزة، وتفاقم الوضع الإنساني لسكان القطاع، إلى اشتعال الأوضاع في الضفة والقدس، وهو ما اعتبره أمرا يضاعف الضغوط على الأردن بأكثر من اتجاه.

استنساخ سيناريو التهجير في الضفة 

حذرت جلسة نقاشية ضمت سياسيين أردنيين، ووزير الخارجية الأسبق مروان المعشر، وهو أول سفير أردني في تل أبيب (1995 – 1996)، من "أجندة إسرائيلية قديمة - جديدة، بتهجير الفلسطينيين سواء في غزة أو لاحقًا في الضفة الغربية".

وجاء في تفاصيل الجلسة التي أقامها معهد السياسة والمجتمع في عمان، ونشرها على موقعه الإلكتروني (الأحد)، "أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يسعى إلى الاستثمار في الدعم الدولي والأميركي غير المسبوق لإسرائيل، عبر تنفيذ أجندة قديمة – جديدة، تتمثل في القيام بتهجير قسري لسكان قطاع غزة، وهو الأمر الذي يمثّل جزءاً من عملية تاريخية تسعى خلالها إسرائيل إلى التخلص من الفلسطينيين في جميع الأراضي الفلسطينية".
  
ذلك الأمر وفق المشاركين في الجلسة، "يدفع بالقلق الشديد باتجاه أن رئيس الحكومة الإسرائيلية يحاول استثمار التعاطف سياسيًّا لتنفيذ أجندته - التي بدت أنها أجندة مسبقة- بتهجير الفلسطينيين سواء في غزة أو لاحقًا في الضفة الغربية، ما يعني أن نجاح سيناريو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء المصرية سيكون بمثابة نموذج بالإمكان استنساخه في الضفة الغربية. وبالتالي من الضروري اليوم".

وأبدى المشاركون مخاوفهم من "أن التصريح الأخير لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في زيارته مؤخرًا إلى تل أبيب، بقوله إن لا مجال للحياد أو لأي أعذار حيال الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل، يعطي نتنياهو شيكاً على بياض للقيام بعملية التهجير".

"الأردن سيذهب إلى أبعد مدى"

 
ويرى الكاتب والمحلل السياسي حسين الرواشدة، أن الأردن سيذهب إلى أبعد مدى في مواجهة مخططات تهجير الفلسطينيين، لا سيما في ظل مخاوف حقيقية ومشروعة من أن تنتقل ما وصفها بـ"عدوى التهجير"، إلى الضفة الغربية أيضا.

ووفق الرواشدة، فإن عمّان تنظر إلى ملف "الترانسفير" بوصفه تصفية للقضية الفلسطينية، وخطرا يشكل تهديدا وجوديا للدولة الأردنية، فيما لو مضت إسرائيل بمحاولات فرضه في الضفة، مؤكدا أن المملكة تمتلك خيارات وأدوات مواجهة عديدة لإحباط مثل هذا السيناريو الذي تتصاعد احتمالات محاولة المضي فيها إسرائيليا في حال توسعت دائرة الحرب الدائرة في غزة وشملت أطرافا في المنطقة والإقليم.

وأضاف، أن الأردن بطبيعة الحال، ليس قادرا على استيعاب موجات لجوء جديدة، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية، فضلا عن أن رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، هو أيضا محط إجماع شعبي أردني، ويرفضه كذلك الفلسطينيون أنفسهم.

وقال الرواشدة، إن المملكة تنتهج في الوقت الحالي، مقاربة سياسية ودبلوماسية من خلال علاقاتها الإقليمية والدولية، وتتمثل بمواصلة محاولات الضغط على تل أبيب وصناع القرار في العالم الغربي، لكبح جماح إسرائيل. 

 "التهجير يدفع المنطقة لصراع أعمق وأوسع"

قال رئيس الوزراء بشر الخصاونة، اليوم الأحد، إن "الأردن يرفض بشكل قاطع أي إجراءات أو خطوات تقود إلى التَّهجير القسري لأهلنا الفلسطينيين في ‎غزَّة وفي الضفَّة الغربيَّة أو أيٍّ من المدن والقُرى الفلسطينيَّة، وهذا خطٌّ أحمر سيدفع المنطقة برمَّتها إلى صراع أعمق وأوسع".
 
وقبله بيوم، كان وزير الخارجية وشؤون المغتربين، أيمن الصفدي، قال في بيان، إن أي تحرك من إسرائيل لفرض تهجير جديد على الفلسطينيين سيدفع المنطقة كلها نحو الهاوية، وحذر كذلك من أي محاولة لتهجير الفلسطينيين من غزة نحو مصر وترحيل الأزمة إلى دول الجوار، مشيرا إلى أن "كل الدول العربية أكدت أنها ستتصدى جماعيا لأي محاولة لتهجير الفلسطينيين من وطنهم".